هاشم خوجلي
عضو المجموعة الموسيقي الملحن العازف هاشم خوجلي
مختارات من بعض أعماله
-
أعمال فنية
-
كتابات
-
قصائد
<
>
-
الشاعر
-
المؤدي
<
>
مجموعة الشعراء الأولى
-
صديق مدثر
-
سيف الدين عبدالله
-
هاشم خوجلي
<
>
-
توظيف آلي وتوزع
-
بالعود
<
>
-
توظيف آلي وتوزيع
-
بالأورغ
-
بالعود
<
>
-
بالعود
-
توظيف آلي وتوزيع
<
>
مجموعة الشعراء الثانية
-
سعدالدين إبراهيم
-
عوض حمد
-
د. الزين عباس عمارة
-
التيجاني الحاج موسى
<
>
مجموعة الشعراء الثالثة
-
الرشيد آدم
-
عثمان سوراوي
-
القاسم حمودة
-
حسين حمزة
<
>
-
السر عوض
-
عوض حمد
-
فتحي حسين
<
>
هل فقدنا حس الوطنية
هل فقدنا حس الوطنية، هل تلاشى انتماؤنا للسودان؟
أود فتح موضوع يتخفى خلف أقنعة من "المشغولية، العمل، متابعة الرزق، الجري وراء لقمة العيش" وما يشبه من أعذار وتبريرات، وهو حيوي وله انعكاسات سلبية على حياتنا ومستقبل أبنائنا. ولأبدأ بنظرة عامة عن القنوات الفضائية ومدى اكتراثنا بالغث الذي تبثه علينا وعلى أجيالنا القادمة التي ما تعبنا إلا لها ولرفاهيتها وإسعادها
كم عدد قنواتنا الفضائية السودانية، سواء التي تبث من داخل الوطن أو تلكم المتناثرة خارجه؟ لعل الإجابة بسيطة جدا، إذ ما علينا سوى التذكر والعد، وقد أحصيت ثمانية عددا، غير تلك التي لا أعرف أو الجديدة التي لم أسمع عنها
إذن ومع هذا العدد الوفير، فكم هي تلك التي تتصف بصفة الوطنية والتقيد ببث المواضيع التي تمجد السودان وناسه وأرضه، وتحي انتماءنا لأجدادنا الذين صنعوا عظمتنا، تلك التي لا تستعين، لأي سبب كان، ولا تملأ ساعات بثها ببرامج ومواضيع أجنبية لا تمت للسودان بصلة، ولا تمس شعبه وأهله ولا تعكس تراثه وحضارته، حتى ولا أقل القليل؟
كل القنوات التي أعرف تبث مواضيع وبرامج أجنبية، أفلام سورية تتحدث عن حارات وأزقة لا نعلم عنها شيئا، ولا هي من تاريخنا التليد، ومسلسلات مصرية تحدثنا عن مخدرات وجرائم وخيانات يموج بها مجتمعهم، وثالثة الأثافي أغنيات عربية وخليجية ليس بها ما يجعلنا نتابع نغماتها إلا عجبا، وأنا أحطت علما بما يسميه أهل الإعلام "التبادل البرامجي"، وأنا أسميه "الهراء ... الهراء"، فلكي نحقق معنى كلمة "تبادل" لابد من أن يكون هناك تبادل حقيقي، أي لكي أبث ما تنتج، لابد أن تبث ما أنتج، وهذا غير واقع في الحقيقة، فليس هنالك قناة فضائية من كل قنوات العالم العربي الكثيرة المنتشرة دون رقيب، تبث، ولو بعد كل حين، وأعني بالحين هنا بعد كل خمس سنوات أو ما يشبه، ليس هنالك من قناة تبث شيئا عن السودان، ناهيك عن برنامج أو مسلسل أو أغنية
لن أتطرق للإجابة على من لا يوافقني الرأي، فلا أحد يستطيع أن ينكر ما هو حاصل بالفعل. أما من يوافقني فقد يقول أن هذا خطأنا، إذ ليس لدينا ما نعطي مقابل ما نأخذ، فنحن فقراء في إنتاجنا، ضعفاء في مخرجاتنا، ليس لدينا هذا الكم الهائل من منتجات الشعوب الأخرى، والأدهى والأمر أن هنالك قول بعضهم، أنهم قد سبقونا، ويجب أن نستفيد من معرفتهم
ما رأيكم أعزائي؟ هل هذا الموضوع يستحق التطرق له؟ وهل يسوى النقاش حوله، والحديث عنه؟
لي رأي وأجوبة حول ما طرحت من تساؤلات، ولكني أفتح الباب لمن أراد الخوض في هذا الموضوع الحيوي، فالحفاظ على الثقافة والحضارة وتنميتهما لا يكون دون امتلاك حس وطني قوي، ربما قد بدأنا نفقده
أود فتح موضوع يتخفى خلف أقنعة من "المشغولية، العمل، متابعة الرزق، الجري وراء لقمة العيش" وما يشبه من أعذار وتبريرات، وهو حيوي وله انعكاسات سلبية على حياتنا ومستقبل أبنائنا. ولأبدأ بنظرة عامة عن القنوات الفضائية ومدى اكتراثنا بالغث الذي تبثه علينا وعلى أجيالنا القادمة التي ما تعبنا إلا لها ولرفاهيتها وإسعادها
كم عدد قنواتنا الفضائية السودانية، سواء التي تبث من داخل الوطن أو تلكم المتناثرة خارجه؟ لعل الإجابة بسيطة جدا، إذ ما علينا سوى التذكر والعد، وقد أحصيت ثمانية عددا، غير تلك التي لا أعرف أو الجديدة التي لم أسمع عنها
إذن ومع هذا العدد الوفير، فكم هي تلك التي تتصف بصفة الوطنية والتقيد ببث المواضيع التي تمجد السودان وناسه وأرضه، وتحي انتماءنا لأجدادنا الذين صنعوا عظمتنا، تلك التي لا تستعين، لأي سبب كان، ولا تملأ ساعات بثها ببرامج ومواضيع أجنبية لا تمت للسودان بصلة، ولا تمس شعبه وأهله ولا تعكس تراثه وحضارته، حتى ولا أقل القليل؟
كل القنوات التي أعرف تبث مواضيع وبرامج أجنبية، أفلام سورية تتحدث عن حارات وأزقة لا نعلم عنها شيئا، ولا هي من تاريخنا التليد، ومسلسلات مصرية تحدثنا عن مخدرات وجرائم وخيانات يموج بها مجتمعهم، وثالثة الأثافي أغنيات عربية وخليجية ليس بها ما يجعلنا نتابع نغماتها إلا عجبا، وأنا أحطت علما بما يسميه أهل الإعلام "التبادل البرامجي"، وأنا أسميه "الهراء ... الهراء"، فلكي نحقق معنى كلمة "تبادل" لابد من أن يكون هناك تبادل حقيقي، أي لكي أبث ما تنتج، لابد أن تبث ما أنتج، وهذا غير واقع في الحقيقة، فليس هنالك قناة فضائية من كل قنوات العالم العربي الكثيرة المنتشرة دون رقيب، تبث، ولو بعد كل حين، وأعني بالحين هنا بعد كل خمس سنوات أو ما يشبه، ليس هنالك من قناة تبث شيئا عن السودان، ناهيك عن برنامج أو مسلسل أو أغنية
لن أتطرق للإجابة على من لا يوافقني الرأي، فلا أحد يستطيع أن ينكر ما هو حاصل بالفعل. أما من يوافقني فقد يقول أن هذا خطأنا، إذ ليس لدينا ما نعطي مقابل ما نأخذ، فنحن فقراء في إنتاجنا، ضعفاء في مخرجاتنا، ليس لدينا هذا الكم الهائل من منتجات الشعوب الأخرى، والأدهى والأمر أن هنالك قول بعضهم، أنهم قد سبقونا، ويجب أن نستفيد من معرفتهم
ما رأيكم أعزائي؟ هل هذا الموضوع يستحق التطرق له؟ وهل يسوى النقاش حوله، والحديث عنه؟
لي رأي وأجوبة حول ما طرحت من تساؤلات، ولكني أفتح الباب لمن أراد الخوض في هذا الموضوع الحيوي، فالحفاظ على الثقافة والحضارة وتنميتهما لا يكون دون امتلاك حس وطني قوي، ربما قد بدأنا نفقده
الموسيقى السودانية
الجزء الأول
الجزء الأول
الموسيقى السودانية
هل تقودنا محاولات العولمة للتدمير؟
حول محاولات التحديث والعولمة للموسيقى السودانية
هاشم خوجلي
هل تقودنا محاولات العولمة للتدمير؟
حول محاولات التحديث والعولمة للموسيقى السودانية
هاشم خوجلي
الجزء الأول
سلمنا الموسيقي وموروثاتنا السودانية
سلمنا الموسيقي وموروثاتنا السودانية
ما هو السلم الموسيقي، ما هو السلم الخماسي، ما هو السلم السباعي؟
كم عدد النغمات التي يمكن استخدامها عند التعامل مع كل من السلمين؟
وما تأثير تراثنا وقوميتنا وهويتنا السودانية على سلمنا الموسيقي؟
وما هو دور الوطنية وروح الإنتماء للسودان تأثيرا على سلمنا وتأثرا به؟
وهل حقا أن السلم الخماسي ناقص موسيقيا؟ وهل السلم السباعي هو المقياس للتطور؟
ثم ما مدى حاجة الأغنية السودانية للتطوير؟
قائمة التساؤلات طويلة وقائمة الإفتراءات أطول، وسوف أحاول تناول هذا الموضوع من زاوية لم يتم تداولها من قبل، من الناحية الفنية، زاوية الهوية السودانية الضائعة التي بدأت تذروها الرياح، زاوية الوطنية التي ما فتئنا نتبجح بها ونحن نعمل على دفنها وقبرها، ثم من زاوية المستمع العادي الذي يتمتع بحس موسيقي طبيعي بسيط، وهذا ليس بالهين، إذ هو مستمع عادي لا يملك ثقافة أو معرفة موسيقية تؤهله مقارعة مدعي المعرفة، أو الخوض في خبايا النغمات والتركيبات النغمية والسلالم الموسيقية وأنواعها وتفرعاتها
كثر الحديث وتردد عن السلم الخماسي، وهو ما نستخدم في موسيقانا، وأنه أساس تقوقعنا داخل مجتمعنا وعدم انتشار موسيقانا ومعرفة العالم لها، وادعى البعض أن تحويل الموسيقى السودانية للسلم السباعي، فيه الخلاص والفكاك لفرد أجنحة موسيقانا لتجوب العالم قاطبة، بل حاول بعضهم إدخال نغمات إضافية ليكون مجموع النغمات المستخدمة سبعا، ولكن هزمهم سلمنا الراسخ القدم في تراثنا وموروثاتنا، واستوعب النغمات المضافة، فإما ذوبها داخله كأنها لم تكن، أو رفضها فماتت القطع الموسيقية المفبركة واندثرت سريعا بعدم تقبل الأذن السودانية لها، وظل كما هو سلمنا الخماسي العتيد، وظلت موسيقانا السودانية تحمل هويتنا وسحنتنا وصدق تراب أرضنا
إن موسيقانا السودانية تتميز بنكهة فريدة وجرس محلي لا تتشاركه مع أي من موسيقى الشعوب المختلفة، حتى تلك التي تشترك معنا في استخدام سلمنا المسمى بالخماسي، فإن حاولنا نزع هذه النكهة عنها أو إسكات هذا الجرس الفريد داخلها، ماعادت هي نفسها، ولنبحث لها إذن عن مسمى وعن شعب يدعيها وتمثله. فرغم قربنا والتصاقنا بجيراننا في الشرق الإفريقي، وحبنا لموسيقاهم وتذوقهم وترديدهم لموسيقانا، إلا أننا نميز موسيقانا عن موسيقاهم دون أي عناء، ولا تختلطان علينا أبدا، ويرجع ذلك للجرس المحلي والنكهة الوطنية التي تحملها موسيقانا وتمتزج بها، فلا تكاد تسمع نغمات قليلة إلا وينبض فيك إحساس داخلي ينبهك أن هذا اللحن سوداني، بل إن سمعت لحنا سودانيا يؤديه مغن أثيوبي مثلا، لما اختلط عليك الأمر، ولعرفت فورا أنه أثيوبي يغني أغنية سودانية، ففي داخل طيات موسيقانا تكمن هويتنا الوطنية ويمتد إرثنا الحضاري المتغلغل في عمق التاريخ
أما عن المتلقي المستمع، فإنه ذلك المستمع العادي الذي يغني له المغنون ويموسق له المموسقون. المستمع الذي يمثل عدده نسبة طاغية قد تماثل التسع والتسعين بالمائة من مجموع الشعب السوداني، رغم ابتلائنا بظاهرة المئات ممن يدعون الغناء، وهم في ازدياد، وليس لهم بفن الغناء صلة، بل هم وصمة في جبين الفن السوداني، وبثرة سوف يأتي يوم اقتلاعها. المستمع الذي به تناقلت الأجيال تراثنا الخالد وتداولت السنون ما خط الأولون من روادنا العباقرة، وما أرسوا من صفات وآثار شامخات ليس لها مثيل، وهو من تعيث بأذنه وسمعه جل أجيالنا الحاضرة فسادا وتدميرا، فقد قادوه للقبول بالغث الرخيص، وأجبروه أن يسمع ما تربأ نفس أي فنان حقيقي بالتدني لدركه السحيق، فقد صار بعض المغنين يتناولون غناء تافها غير ذي معنى، ويرددون كلاما لا يحمل إلا أسافل القول، وتبعهم من الموسيقيين في غيهم، من تدفعهم هبات من المال إلى نكران أنفسهم والتجرد من روح الفن فيهم، وإتباع من يدفع والسير في ركبه، وتدمير فننا وحضارتنا وما أرسى العباقرة الأولون منا
ولكن يبقى المستمع السوداني هو المظلوم، إذ أنه المتلقي لكل غث هزيل يسميه صناعه فنا، ولكل سيئ ردئ يسميه رواده غناء، حتى تدنى مستوى سمعه وخاب ظنه في تلقي الجيد الحسن، فصار يقبل ما يقدم له على علاته، وقد طغت على الحسنات. ولكني أؤمن بصدق أن كل من يستمع للموسيقى فنان، وبما أنه ليس هنالك في ظني من لا يستمع للموسيقى، إذن فليس هنالك من ليس بفنان، والمستمع السوداني فنان، وسوف يأتي يوم قريب يصم أذنه عن هذا الغي والعبث بموروثاتنا، ويدك بقدميه كل عابث يمرغ بالتراب فننا أو موسيقانا، ولا يتقبل إلا الجيد الراقي من الفنون
أردت بهذا التقدمة أن أربط موروثاتنا بعضها بالبعض، فالموسيقى والغناء من العلوم التي تورث قبل أن تدرس
وللحديث بقية
الغناء السوداني! إلى أين؟
تهيأ لي أن أتابع بعضا من البرامج التي تبثها بعض قنواتنا الفضائية، وضمنا رأيت واستمعت لبعض شبابنا، فتيانا وفتيات، وهم يؤدون أنماطا من فن الغناء، وقد أجزت لنفسي تسميته فنا مجاراة لهم لأنهم يقدمونه على هذا الأساس.
لست بصدد الهجوم على أي جهة، ولا بصدد إعفاء نفسي من المسئولية، فكلنا راع وكلنا مسئول عن رعيته، وأنا أفخر مثل معظم جيلي، بأني قد استقيت الفنون من أصولها، منهم من عاصرت ومنهم من استقيت أخبارهم وتنشقت رحيقهم بعد رحيلهم نقلا عن جيل عايشهم، وكان استماعي للجبال الرواسخ الذين مجدوا السودان ونحتوا اسمه على جذور التاريخ، فبقيت أسماؤهم ما بقي الزمن، دلالة على الفن الأصيل وحب الوطن والولاء المطلق لعزه وشموخه وعلوه، ولكني رغما عن ذلك لم أقم بتأدية دوري في تثقيف النشء وإثراء معرفته بوطنه وتراثه وفنونه، التي تتميز على كافة فنون أهل الأرض، لم أقم بتأدية دوري على الوجه المنشود، وهاهي النتيجة، أن قد طفح الكيل، وغض الطرف لن يفيدنا فالطريق الذي نسير فيه أضحى واضحا، وهو يقود لانحدار وتردي لا يعلم مداه إلا الله.
منذ عدد من الأعوام ليست بالكثيرة إنتشرت ظاهرة الغناء العربي في المناسبات السودانية، وأعني بالتحديد الغناء المصري والخليجي وأشباهه، وياليته غناء محترما راقيا، فأغلبه غناء مترد وهابط، فسيرة العرسان على سبيل المثال، صارت تقودها فرق من الدفوف، تؤدي كلمات ما أنزل بها من سلطان، وهي لا تنتمي لتراثنا ولا هي من عاداتنا، فالدف عندنا مربوط إما بالغناء النوبي من صميم شمالنا، مصحوبا بلهجاتنا التي نسميها كأهل الوسط "رطانة"، أو بترانيم الصوفية وإيقاعات الذكر، وهما من أكثر ما نعتز به من موروثات نفاخر بها العالم بل نصدرها له بكل عزة وشمم. مالها "العديل والزين" وما بها "السيرة مرقت عصر"؟! هل أضحت قديمة أو بالية؟ لو سلمنا بذلك فأتونا بالجديد، وهاتوا ما لديكم يا شباب اليوم، وساهموا بوضع لبنات جديدات تشد أزر تراث السودان وتساهم في امتداد مجده الأصيل الذي لم يحز عليه صدفة ولا جاءه سهلا، وسوف تكسبون على أقل القليل إحترامنا وتقديرنا كجيل عاصركم وعاصر من سبقكم، ولكن لا تستسهلوا الأمور وتستجلبوا ما تستشينكم عليه الأمم الأخريات، وتجعلكم مصدر ضحك ومحط استهزاء، لأنكم حين فشلتم في المحافظة على تراثكم، ناهيكم عن تجديده وتحديثه أو إثرائه، لجأتم لتقليدهم وفقدتم بذلك حتى فرصة احترامهم لكم وبالتالي لنا.
غلبت على احتفالات التخريج في الجامعات، وهي مراكز العلم ومصادر إشعاعات الثقافة وتوالدها وتطورها، غلبت الإيقاعات المستوردة من الشمال، خارج الحدود، كأن كل ما لدينا من إرث ثقافي تليد، والذي لو فرش على طول البسيطة لغطاها ببساط من السحر والعراقة والأصالة، كأن كل هذا لم يكفهم فأتى النشء، هداهم الله، بأشياء لا نفهمها، ولا هي منا ولا نحن منها، وحاولوا فرضها علينا، وأطلقوا عليها أسماء سموها.
والأن صار بعض شباب اليوم الذين يقدمون أنفسهم على أنهم مغنون، يقولون على رؤوس الأشهاد أنهم لا يعرفون كيف يغنون "سوداني"، والله إن هذا هو العجب العجاب، وإن سألتهم ماذا يعرفون أجابوك "خليجي، أو شرقي، أو غربي"، أما إن أصررت وفرضت عليهم الغناء "السوداني"، فيقولون وبكل بساطة وعدم اهتمام أنهم "سيحاولون"، وإن تجرأت وسألت أحدهم عن جنسيته، يجيبك وعيناه تبرق تعجبا "سوداني!". ما هذا التناقض يا شباب السودان؟!
وثالثة الأثافي هي ما يشير اسمه إلى أنه لا يمت لتراثنا ولا لأصالتنا ولا لعروبتنا، إن كنا عربا، ولا لإفريقيتنا التي صرنا نود نكرانها، بصلة، وهو ما يسمى بـ"الراب"، وإن سألتم عن كلمة "راب" فهي كلمة أعجمية تعني مجملا "لف أو ملفوف" أي أن هذا الغناء هو شيء ملفوف في قالب من الإيقاع والكلمات التي تتوافق نهاياتها مع الإيقاع وتنتهي غالبا بنفس المخرج الصوتي، فليس هنالك شعر، لا ولا لحن، بل ولا غناء، ولا يهم إن كان صوت المؤدي جميلا أو جيدا، أو هو فظ ثقيل على الأذن، فهو فقط "يلفظ" كلمات تقال بمصاحبة نبرات إيقاعية، ولهذا السبب يسمى من يقدم هذا النوع "رابار" أي مؤدي "راب" وليس مغنيا.
يرجع أصل الراب إلى موسيقى "الهيب هوب"، وهي تنتمي أصلا إلى ثقافات "جامايكية" أمريكية اختلطت بها لاحقا ثقافات زنجية تفرعت عنها الإيقاعات الأولى "للراب" أوائل السبعينات من القرن الماضي، أما الإيقاعات الحديثة فقد إبتدعها أحد المهاجرين من "جامايكا" إلى "أمريكا" في أوائل السبعينات، ويدعى "كول هيرك" ولجأ لها حين لم يجد عملا وطالت معاناته مع البطالة والفقر، فانتشرت وعمت أوساط الفقراء والملونين من الأمريكيين، خاصة السود والقادمين من أمريكا الجنوبية، الذين اتخذوها متنفسا لهم ومنبرا يعبرون عبره عن معاناتهم والظلم الطبقي الذي يعيشونه، فمالنا نحن وهؤلاء؟ هل نطمس ماضينا التليد وموروثاتنا الثرة وتراثنا الغني، ونتبع ما لا يمثل أمامنا غير ثقافة الآخر، والتي لو طال عمرها وغبر في التاريخ، ما تعدى المأتين من السنين، عجبا وأشد العجب.
نصيحتي لبناتي وأبنائي الشباب، يامن تودون أن تعبروا عن مشاعركم وما يجيش داخل وجدانكم عن طريق الغناء، أنصحكم بأن تسلكوا الطريق الأسهل، وتتبعوا الطريق الأمثل، أنصحكم بأن تتمسكوا بتراثكم وتدافعوا عن هويتكم "السودانية"، التي سوف تنوء ظهوركم بثقل وزرها إن تماديتم في ما أنتم عليه متناصرون. مالنا نحن والعرب والخليج؟، ثم مالنا والغرب وإيقاعاتهم المستوردة من كل أنحاء العالم، ولدينا ما يغنينا ويفي بحاجاتنا وحاجاتهم، لو شئنا. هل ينقصنا ما يسمى بالسلم السباعي؟ كلا، فغربنا يعج بآلاف الآلاف من الأغنيات التي تستخدم كل النغمات في السلم الموسيقي، فألجأوا إليها، هل تريدون إدخال ما يسمى بالنغمة السادسة في خطنا ذي الخمس نغمات؟، ما أسهل ذلك لو انتقلتم جنوبا ونهلتم من تراثنا الثر، فلديكم في بلدكم الغني بكل شيء، كل شيء، كل النغمات، كل أنواع الموسيقى، ومجازا، كل السلالم الموسيقية. هل تستسهلون غناء الكلام الردئ الذي لا يرقى لمثلنا وقيمنا التي تربيتم عليها ونشأ عليها آباؤكم؟، فليكن ذلك بألحان سودانية وكلمات من واقعكم، فعلى أقل القليل ستكون مفهومة للكل، لأنكم والله جعلتم ما كنا نسميه غناء هابطا، في أعلى مدارج السمو، مقارنة بما أجزتم لأنفسكم تقليده من مسوخ، حتى لدى أهلها وذويها، فعلى الأقل يتميز ما تعارفنا على أنه غناء "هابط"، بأنه ذو هوية سودانية، ويحمل صبغته الوطنية. حاسبوا أنفسكم إن كنت "فنانين" بحق.
هي كلمة غص بها حلقي طويلا، وقد خرجت الآن، فهل بلغت؟
لست بصدد الهجوم على أي جهة، ولا بصدد إعفاء نفسي من المسئولية، فكلنا راع وكلنا مسئول عن رعيته، وأنا أفخر مثل معظم جيلي، بأني قد استقيت الفنون من أصولها، منهم من عاصرت ومنهم من استقيت أخبارهم وتنشقت رحيقهم بعد رحيلهم نقلا عن جيل عايشهم، وكان استماعي للجبال الرواسخ الذين مجدوا السودان ونحتوا اسمه على جذور التاريخ، فبقيت أسماؤهم ما بقي الزمن، دلالة على الفن الأصيل وحب الوطن والولاء المطلق لعزه وشموخه وعلوه، ولكني رغما عن ذلك لم أقم بتأدية دوري في تثقيف النشء وإثراء معرفته بوطنه وتراثه وفنونه، التي تتميز على كافة فنون أهل الأرض، لم أقم بتأدية دوري على الوجه المنشود، وهاهي النتيجة، أن قد طفح الكيل، وغض الطرف لن يفيدنا فالطريق الذي نسير فيه أضحى واضحا، وهو يقود لانحدار وتردي لا يعلم مداه إلا الله.
منذ عدد من الأعوام ليست بالكثيرة إنتشرت ظاهرة الغناء العربي في المناسبات السودانية، وأعني بالتحديد الغناء المصري والخليجي وأشباهه، وياليته غناء محترما راقيا، فأغلبه غناء مترد وهابط، فسيرة العرسان على سبيل المثال، صارت تقودها فرق من الدفوف، تؤدي كلمات ما أنزل بها من سلطان، وهي لا تنتمي لتراثنا ولا هي من عاداتنا، فالدف عندنا مربوط إما بالغناء النوبي من صميم شمالنا، مصحوبا بلهجاتنا التي نسميها كأهل الوسط "رطانة"، أو بترانيم الصوفية وإيقاعات الذكر، وهما من أكثر ما نعتز به من موروثات نفاخر بها العالم بل نصدرها له بكل عزة وشمم. مالها "العديل والزين" وما بها "السيرة مرقت عصر"؟! هل أضحت قديمة أو بالية؟ لو سلمنا بذلك فأتونا بالجديد، وهاتوا ما لديكم يا شباب اليوم، وساهموا بوضع لبنات جديدات تشد أزر تراث السودان وتساهم في امتداد مجده الأصيل الذي لم يحز عليه صدفة ولا جاءه سهلا، وسوف تكسبون على أقل القليل إحترامنا وتقديرنا كجيل عاصركم وعاصر من سبقكم، ولكن لا تستسهلوا الأمور وتستجلبوا ما تستشينكم عليه الأمم الأخريات، وتجعلكم مصدر ضحك ومحط استهزاء، لأنكم حين فشلتم في المحافظة على تراثكم، ناهيكم عن تجديده وتحديثه أو إثرائه، لجأتم لتقليدهم وفقدتم بذلك حتى فرصة احترامهم لكم وبالتالي لنا.
غلبت على احتفالات التخريج في الجامعات، وهي مراكز العلم ومصادر إشعاعات الثقافة وتوالدها وتطورها، غلبت الإيقاعات المستوردة من الشمال، خارج الحدود، كأن كل ما لدينا من إرث ثقافي تليد، والذي لو فرش على طول البسيطة لغطاها ببساط من السحر والعراقة والأصالة، كأن كل هذا لم يكفهم فأتى النشء، هداهم الله، بأشياء لا نفهمها، ولا هي منا ولا نحن منها، وحاولوا فرضها علينا، وأطلقوا عليها أسماء سموها.
والأن صار بعض شباب اليوم الذين يقدمون أنفسهم على أنهم مغنون، يقولون على رؤوس الأشهاد أنهم لا يعرفون كيف يغنون "سوداني"، والله إن هذا هو العجب العجاب، وإن سألتهم ماذا يعرفون أجابوك "خليجي، أو شرقي، أو غربي"، أما إن أصررت وفرضت عليهم الغناء "السوداني"، فيقولون وبكل بساطة وعدم اهتمام أنهم "سيحاولون"، وإن تجرأت وسألت أحدهم عن جنسيته، يجيبك وعيناه تبرق تعجبا "سوداني!". ما هذا التناقض يا شباب السودان؟!
وثالثة الأثافي هي ما يشير اسمه إلى أنه لا يمت لتراثنا ولا لأصالتنا ولا لعروبتنا، إن كنا عربا، ولا لإفريقيتنا التي صرنا نود نكرانها، بصلة، وهو ما يسمى بـ"الراب"، وإن سألتم عن كلمة "راب" فهي كلمة أعجمية تعني مجملا "لف أو ملفوف" أي أن هذا الغناء هو شيء ملفوف في قالب من الإيقاع والكلمات التي تتوافق نهاياتها مع الإيقاع وتنتهي غالبا بنفس المخرج الصوتي، فليس هنالك شعر، لا ولا لحن، بل ولا غناء، ولا يهم إن كان صوت المؤدي جميلا أو جيدا، أو هو فظ ثقيل على الأذن، فهو فقط "يلفظ" كلمات تقال بمصاحبة نبرات إيقاعية، ولهذا السبب يسمى من يقدم هذا النوع "رابار" أي مؤدي "راب" وليس مغنيا.
يرجع أصل الراب إلى موسيقى "الهيب هوب"، وهي تنتمي أصلا إلى ثقافات "جامايكية" أمريكية اختلطت بها لاحقا ثقافات زنجية تفرعت عنها الإيقاعات الأولى "للراب" أوائل السبعينات من القرن الماضي، أما الإيقاعات الحديثة فقد إبتدعها أحد المهاجرين من "جامايكا" إلى "أمريكا" في أوائل السبعينات، ويدعى "كول هيرك" ولجأ لها حين لم يجد عملا وطالت معاناته مع البطالة والفقر، فانتشرت وعمت أوساط الفقراء والملونين من الأمريكيين، خاصة السود والقادمين من أمريكا الجنوبية، الذين اتخذوها متنفسا لهم ومنبرا يعبرون عبره عن معاناتهم والظلم الطبقي الذي يعيشونه، فمالنا نحن وهؤلاء؟ هل نطمس ماضينا التليد وموروثاتنا الثرة وتراثنا الغني، ونتبع ما لا يمثل أمامنا غير ثقافة الآخر، والتي لو طال عمرها وغبر في التاريخ، ما تعدى المأتين من السنين، عجبا وأشد العجب.
نصيحتي لبناتي وأبنائي الشباب، يامن تودون أن تعبروا عن مشاعركم وما يجيش داخل وجدانكم عن طريق الغناء، أنصحكم بأن تسلكوا الطريق الأسهل، وتتبعوا الطريق الأمثل، أنصحكم بأن تتمسكوا بتراثكم وتدافعوا عن هويتكم "السودانية"، التي سوف تنوء ظهوركم بثقل وزرها إن تماديتم في ما أنتم عليه متناصرون. مالنا نحن والعرب والخليج؟، ثم مالنا والغرب وإيقاعاتهم المستوردة من كل أنحاء العالم، ولدينا ما يغنينا ويفي بحاجاتنا وحاجاتهم، لو شئنا. هل ينقصنا ما يسمى بالسلم السباعي؟ كلا، فغربنا يعج بآلاف الآلاف من الأغنيات التي تستخدم كل النغمات في السلم الموسيقي، فألجأوا إليها، هل تريدون إدخال ما يسمى بالنغمة السادسة في خطنا ذي الخمس نغمات؟، ما أسهل ذلك لو انتقلتم جنوبا ونهلتم من تراثنا الثر، فلديكم في بلدكم الغني بكل شيء، كل شيء، كل النغمات، كل أنواع الموسيقى، ومجازا، كل السلالم الموسيقية. هل تستسهلون غناء الكلام الردئ الذي لا يرقى لمثلنا وقيمنا التي تربيتم عليها ونشأ عليها آباؤكم؟، فليكن ذلك بألحان سودانية وكلمات من واقعكم، فعلى أقل القليل ستكون مفهومة للكل، لأنكم والله جعلتم ما كنا نسميه غناء هابطا، في أعلى مدارج السمو، مقارنة بما أجزتم لأنفسكم تقليده من مسوخ، حتى لدى أهلها وذويها، فعلى الأقل يتميز ما تعارفنا على أنه غناء "هابط"، بأنه ذو هوية سودانية، ويحمل صبغته الوطنية. حاسبوا أنفسكم إن كنت "فنانين" بحق.
هي كلمة غص بها حلقي طويلا، وقد خرجت الآن، فهل بلغت؟
هاشم خوجلي
مهموم بتردي فن الغناء السوداني
مهموم بتردي فن الغناء السوداني
موسيقى البنات
منذ فترة ليست بالقصيرة درجت على متابعة عدد من البرامج في عدد من القنوات في ذات الوقت، والسبب بسيط، معظم البرامج المقدمة
فارغة وتفقد قوة الجذب في فترات وتجعلك تبحث عن شيء آخر يشدك أكثر، وأكون قد هيأت لنفسي البديل الذي يحمل نفس قوة الجذب، وبالتالي أستطيع أن أتحول عنه بنفس السهولة.
هذه الليلة كذبت قناة أم درمان توقعاتي وقدمت لي مقابلة فنية غنية ليس فيها ضيوف مشهورون ولا أسماء في القمة، بل أناس عاديون شاركوا في تقديم برنامج عادي، ناطحوا به هام السحاب نجاحا وتميزا، ولم أفكر لحظة واحدة أن أتحول عنه.
مقدمة البرنامج نادية عثمان، كانت ذات حضور جميل وتركيز على موضوع البرنامج طول وقت الحلقة، تطرح السؤال وتعطي ضيفتها الفرصة والوقت لترد ولا تقاطع ولا تدعي المعرفة أو تتولى الرد، كما يفعل معظم مقدمي البرامج الكبار في قنواتنا، زورا.
كانت ضيفتا الحلقة، من الموسيقيات الشابات وخريجات كلية الموسيقى والمسرح، سارة شحاتة، وقد قدمت نماذج من عزف جميل على آلة الكمان، وإبتهال، لم أستطع معرفة إسمها كاملا، وقد شاركت بعزف راق على آلة الأورغ، وقد قدمتا سوية مقطوعات مشتركة غاية في التجانس والتوافق.
كان اللقاء بسيطا وعاديا في شكله ولكنه طرح فكرة جميلة وأوحى لي بسؤال عالق في وجداني منذ زمن.
الفكرة هي حين تعزف الفتاة فإنك تسمع موسيقى جيدة رزينة تتقيد بما يميز موسيقانا وأغانينا من روح وأصالة الغناء السوداني، على عكس أبنائنا الذين صاروا يصدعون رؤوسنا بكل ما درجنا على رفضه من نغمات عربية "كربع التون" أو مفهوم أجنبي غربي "كالراب"، باسم التقدم والتعولم وما شاؤا من تسميات جاؤا بها.
أما السؤال فهو، لماذا تلجأ معظم فتياتنا إلى مجال الغناء دوما وبالتحديد، رغم الفشل الذريع للغالب الأعم منهن كمغنيات، ولكن ساحاتنا غير طاردة، فعندنا في السودان نمتاز بالقاعدة المقلوبة، من يفشل يبقى، ولا يغيب إلا بعد أن يدمر من إحساس شبابنا الفني وتراثنا ما يدمر، وإلا بعد أن يغتني من جيوب الحمقى وذوي الآذان المشروخة، وهم للأسف كثيرون.
الشق الثاني للسؤال هو لماذا تترك معظم الفتيات مجال الموسيقى، أعني الموسيقى الآلية، حتى وإن أثبتن نجاحا فيه؟ هل السبب هو السيطرة الذكورية الواضحة أم هو رفض المجتمع، وإن كان مبطنا؟
هل من رأي؟
فارغة وتفقد قوة الجذب في فترات وتجعلك تبحث عن شيء آخر يشدك أكثر، وأكون قد هيأت لنفسي البديل الذي يحمل نفس قوة الجذب، وبالتالي أستطيع أن أتحول عنه بنفس السهولة.
هذه الليلة كذبت قناة أم درمان توقعاتي وقدمت لي مقابلة فنية غنية ليس فيها ضيوف مشهورون ولا أسماء في القمة، بل أناس عاديون شاركوا في تقديم برنامج عادي، ناطحوا به هام السحاب نجاحا وتميزا، ولم أفكر لحظة واحدة أن أتحول عنه.
مقدمة البرنامج نادية عثمان، كانت ذات حضور جميل وتركيز على موضوع البرنامج طول وقت الحلقة، تطرح السؤال وتعطي ضيفتها الفرصة والوقت لترد ولا تقاطع ولا تدعي المعرفة أو تتولى الرد، كما يفعل معظم مقدمي البرامج الكبار في قنواتنا، زورا.
كانت ضيفتا الحلقة، من الموسيقيات الشابات وخريجات كلية الموسيقى والمسرح، سارة شحاتة، وقد قدمت نماذج من عزف جميل على آلة الكمان، وإبتهال، لم أستطع معرفة إسمها كاملا، وقد شاركت بعزف راق على آلة الأورغ، وقد قدمتا سوية مقطوعات مشتركة غاية في التجانس والتوافق.
كان اللقاء بسيطا وعاديا في شكله ولكنه طرح فكرة جميلة وأوحى لي بسؤال عالق في وجداني منذ زمن.
الفكرة هي حين تعزف الفتاة فإنك تسمع موسيقى جيدة رزينة تتقيد بما يميز موسيقانا وأغانينا من روح وأصالة الغناء السوداني، على عكس أبنائنا الذين صاروا يصدعون رؤوسنا بكل ما درجنا على رفضه من نغمات عربية "كربع التون" أو مفهوم أجنبي غربي "كالراب"، باسم التقدم والتعولم وما شاؤا من تسميات جاؤا بها.
أما السؤال فهو، لماذا تلجأ معظم فتياتنا إلى مجال الغناء دوما وبالتحديد، رغم الفشل الذريع للغالب الأعم منهن كمغنيات، ولكن ساحاتنا غير طاردة، فعندنا في السودان نمتاز بالقاعدة المقلوبة، من يفشل يبقى، ولا يغيب إلا بعد أن يدمر من إحساس شبابنا الفني وتراثنا ما يدمر، وإلا بعد أن يغتني من جيوب الحمقى وذوي الآذان المشروخة، وهم للأسف كثيرون.
الشق الثاني للسؤال هو لماذا تترك معظم الفتيات مجال الموسيقى، أعني الموسيقى الآلية، حتى وإن أثبتن نجاحا فيه؟ هل السبب هو السيطرة الذكورية الواضحة أم هو رفض المجتمع، وإن كان مبطنا؟
هل من رأي؟
التاريخ – الخميس 11أغسطس2011م
القناة – قناة أم درمان
البرنامج – صبايا أم در
المقدمة – نادية عثمان
الضيوف
سارة شحاته – كمان
إبتهال – أورغ
القناة – قناة أم درمان
البرنامج – صبايا أم در
المقدمة – نادية عثمان
الضيوف
سارة شحاته – كمان
إبتهال – أورغ
أبرز معلم في البلدة هو تلك البئر ذات الطاحونة الهوائية العالية، التي تستقبلك قبل عدة أميال وكأنما لتضمك إلى حضنها في ترحيب، وهي تستخرج الماء من جوف الأرض مالحا، لا أظن شخصا غريبا يستطيع التعود على شربه دون أن يكلف نفسه الكثير. بالقرب من البئر تناثرت بضع شجيرات شوكية في عدم نظام يوحي بجمال الطبيعة
أول ما يشد المرء عند دخوله أي بيت من بيوت القرية هو الإتساع، فهم هنا لا يعرفون التضييق في السكن، وهم غير مرتبطين بشئ غير القرب من الأهل والنهر لممارستهم الزراعة
الطريق المستقيم الوحيد يشق البلدة إلى نصفين، وبه إنحناءات طفيفة لا تعتبر إذا ما قورنت بالإلتواءات شبه الدائرية التي تميز بقية الأزقة
ما أن تخرج من نطاق المنازل الطينية الواسعة من جهة الشمال حتى تقابلك المزارع الخضراء الوارفة، ويشنف أذنيك أزيز مضخة الماء وهي تعب من النهر عبا لتسقي الأحواض المقسمة في هندسة بدائية فطرية جميلة، أما النهر فهو مارد جبار، فالتيار فيه شديد جارف وهو يتقسم بين العمق في بعض من أنحائه والضحولة الشديدة في بعض آخر مع التقارب التام بين الإثنين، والجالس على شاطئه يكون محجوبا عن المنازل والأشجار من ورائه بإرتفاع مفاجئ في الأرض، أو لعله إنخفاض، لابد أنه أرهق النهر وإستغرقه العديد العديد من السنوات لإنجازه
الشاطئ بساط من الرمل أبيض لامع يغري بالجلوس عليه، تتخلله هنا وهناك رقع خضراء من الحشائش التي لم تنجح عوامل التعرية في القضاء عليها والمنظر ككل ساحر أخاذ يخلد الإنسان فيه إلى التأمل ومناجاة الخالق الذي أوجد فأبدع
أول ما يشد المرء عند دخوله أي بيت من بيوت القرية هو الإتساع، فهم هنا لا يعرفون التضييق في السكن، وهم غير مرتبطين بشئ غير القرب من الأهل والنهر لممارستهم الزراعة
الطريق المستقيم الوحيد يشق البلدة إلى نصفين، وبه إنحناءات طفيفة لا تعتبر إذا ما قورنت بالإلتواءات شبه الدائرية التي تميز بقية الأزقة
ما أن تخرج من نطاق المنازل الطينية الواسعة من جهة الشمال حتى تقابلك المزارع الخضراء الوارفة، ويشنف أذنيك أزيز مضخة الماء وهي تعب من النهر عبا لتسقي الأحواض المقسمة في هندسة بدائية فطرية جميلة، أما النهر فهو مارد جبار، فالتيار فيه شديد جارف وهو يتقسم بين العمق في بعض من أنحائه والضحولة الشديدة في بعض آخر مع التقارب التام بين الإثنين، والجالس على شاطئه يكون محجوبا عن المنازل والأشجار من ورائه بإرتفاع مفاجئ في الأرض، أو لعله إنخفاض، لابد أنه أرهق النهر وإستغرقه العديد العديد من السنوات لإنجازه
الشاطئ بساط من الرمل أبيض لامع يغري بالجلوس عليه، تتخلله هنا وهناك رقع خضراء من الحشائش التي لم تنجح عوامل التعرية في القضاء عليها والمنظر ككل ساحر أخاذ يخلد الإنسان فيه إلى التأمل ومناجاة الخالق الذي أوجد فأبدع
...........................................................................
إسترخى علي في جلسته على المقعد وهو ينظر، ساهما، إلى صديقه صلاح الذي كان يعلق على فيلم شاهده بالأمس، دون أن يسمع شيئا، فهاهو يستعيد ذكرى تلك الأيام الحلوة التي إنقضت. إنه الآن يسائل نفسه كيف لم يلحظها قبل ذلك اليوم وكان يراها دائما وهي تخطر أمامه عندما يأتي وصلاح أخوها، الذي يكبرها قليلا، من ميدان كرة القدم في المساء الباكر لينالا قسطا من الراحة ويتجاذبا أطراف حديث تتحكم بكنهه مستجدات الأحداث في دنياهم الصغيرة، ومن ثم يستأذن مكملا طريق عودته إلى المنزل. كانت قد عودتهما على أن تأتي حاملة آنية الشاي حال قدومهما، فكأنما هم على موعد. كان يفكر فيها حينذاك، إذا طافت بذهنه، كأخت صديقه، المؤدبة الهادئة، التي لا تخلف موعد الشاي مطلقا، وهو لا يذكر أنه حاول يوما أن يمعن فيها النظر، حتى ليكاد لا يعرفها بيقين إن إلتقى بها خارج الدار
وتغيرت الرؤى بعد أن جمعتهما الأقدار في زواج أحد أقاربها، فحينما إستقلوا المركبات متوجهين إلى منزل العريس، طلب منها أن تحتفظ له بحقيبة يدوية صغيرة، تشاء الأقدار أن تكون السبب في حالة النشوة المستمرة التي ما فتيء يعيشها بمجرد ذكر إسمها
تقضت السهرة دون أن يلحظ شيئا سوى أنها كانت تطيل النظر إليه وكان يلتفت إليها بين الفينة والأخرى لضبطها متلبسة بالتحديق به، وما أن تلتقي الأعين لحظة، حتى يسارع كل منهما إلى النظر في إتجاه معاكس، وهو لا ينكر أنه كان في دواخله، سعيدا بإهتمامها به
في صبيحة اليوم التالي كان يحس صداعا عزاه للسهر والتعب فسألته عما به وأجابها "مصدع!" وهو فرح إذ ظن أن هناك شيئا من الألم في صوتها لم تفلح في إخفائه. وغابت عن ناظريه هنيهة لتطل ثانية وهي تحمل كوبا من الماء باردا وقرصين من المسكنات طلبت منه بعفوية آمرة أن يبتلعهما فإمتثل وهو يشكر إهتمامها به في خجل، وهي لا ترد عليه بل تمسك منه الكوب وتنزوي هاربة للداخل
في المساء ذهب إلى شاطئ النهر ليروح عن نفسه بعد أن خفت حدة الصداع، وجعله الهدوء الذي أحسه بعد زوال الألم يستعيد ما حدث، وظن أن إهتمامها به كان غير طبيعي، أو لعله من هول الأمر وصور له خياله أنها تهتم به. إذن ماذا عن الصداع! هل هذا تهويلا ؟ إنه يعلم يقينا أنه لم يكن هنالك داع لإبتلاع قرصي المسكنات، فالصداع كان آنذاك قد زال، لم يستطع الصمود أمام نظرات عينيها المشفقة ونبرات صوتها الدافئ الحنون، مع ما جاش به من رقة وإشفاق، فإندحر وإنهزم. وأحس بنفسه في قمة من السعادة، إذ تأكد له أن لا صلة لتطبيبه بالعقاقير والمسكنات، فقد كانت هي نفسها الشفاء، فهل كان من نظرات عينيها أصل الداء؟! وزجر نفسه ألا يسترسل، فهي قطعا لا تحس به أكثر من صديق لأخيها، وهل هو بالفعل إلا ذلك؟!
وفيما هو ماض في تأملاته وأفكاره يقلبها ذات اليمين وتقلبه ذات اليسار، لاه بها عن أترابه الذين كانوا يستمتعون بالسباحة في النهر والسباق على الشاطئ، إذا به يحس بشخص يقترب من مجلسه القصي، لا بل شخصين، فرفع رأسه مستطلعا ليجدها ماثلة أمامه تطيل إليه النظر.
شلته المفاجأة وإرتبك فكأنها عرفت أنه لم يكن يفكر في خلوته إلا بها. وأحس بالخجل، إلا أنه تمالك نفسه سريعا وهب واقفا وهو يرحب بهما رغم إرتباكه "أهلا آمنه... أهلا فاطمه..."
الله ... لكم كان ذلك اليوم سعيدا، لقد أشارت له بطرف خفي لحبها الوليد، لكنه أجابها في غموض، لم يكن مصدقا ولم يكن يدر، حتى تلك اللحظة، إن كان ما يحسه نحوها هو الحب أو هو عرفان بالجميل لإهتمامها به وتطبيبه، إلا أنه لا زال يذكر كيف قضيا بقية أيام الإحتفال بالزواج وهما لا يكادا يفترقان إلا لماما، وكانت ثالثتهما صديقتها فاطمة التي لم تكن تفارقها قط والمطلعة على كل خافية لديها
ومرت بخاطره رحلة العودة، إنه لم يتبادل الحديث إلا معها طوال الساعة التي إستغرقتها الرحلة، وهي كانت تتهرب من الحديث إلى صويحباتها بكلمة أو إيماءة لتوليه جل إهتمامها. عند الفراق أومأت إليه براسها أن إلى لقاء قريب، وتحدثت عيناها حين تعذرت الكلمات، قالتا كلاما كثيرا لم تتسع له كل الأيام السابقة، وفهمته عيناه وأرسلتا الإجابة حين تحركت بها العربة إلى منزلها
هه..!! ... إنت سارح وين؟
نعم... أنا ؟! أبدا
ياخي أنا من قبيل أحكي ليك في الفيلم، وإنت أتاريك بعيد، ولا جايب خبري
ما جايب خبرك شنو يا زول، أنا سامعك، إستمر
- أستمر؟! أنا بسألك رأيك فيهو شنو، تقول لي إستمر؟! أهو دا الدليل على إنك ما كنت معاي ولا لحظه. منتهى البياخه
طيب معليش، والله فيلم جميل جدا، خلاص ما تزعل
بالله
وتصافيا بعد أن لام نفسه على تحليقه مع الخيال أثناء حديث صديقه معه، ثم إستأذن منصرفا وما فتئت الذكريات تترى عليه تباعا
وتغيرت الرؤى بعد أن جمعتهما الأقدار في زواج أحد أقاربها، فحينما إستقلوا المركبات متوجهين إلى منزل العريس، طلب منها أن تحتفظ له بحقيبة يدوية صغيرة، تشاء الأقدار أن تكون السبب في حالة النشوة المستمرة التي ما فتيء يعيشها بمجرد ذكر إسمها
تقضت السهرة دون أن يلحظ شيئا سوى أنها كانت تطيل النظر إليه وكان يلتفت إليها بين الفينة والأخرى لضبطها متلبسة بالتحديق به، وما أن تلتقي الأعين لحظة، حتى يسارع كل منهما إلى النظر في إتجاه معاكس، وهو لا ينكر أنه كان في دواخله، سعيدا بإهتمامها به
في صبيحة اليوم التالي كان يحس صداعا عزاه للسهر والتعب فسألته عما به وأجابها "مصدع!" وهو فرح إذ ظن أن هناك شيئا من الألم في صوتها لم تفلح في إخفائه. وغابت عن ناظريه هنيهة لتطل ثانية وهي تحمل كوبا من الماء باردا وقرصين من المسكنات طلبت منه بعفوية آمرة أن يبتلعهما فإمتثل وهو يشكر إهتمامها به في خجل، وهي لا ترد عليه بل تمسك منه الكوب وتنزوي هاربة للداخل
في المساء ذهب إلى شاطئ النهر ليروح عن نفسه بعد أن خفت حدة الصداع، وجعله الهدوء الذي أحسه بعد زوال الألم يستعيد ما حدث، وظن أن إهتمامها به كان غير طبيعي، أو لعله من هول الأمر وصور له خياله أنها تهتم به. إذن ماذا عن الصداع! هل هذا تهويلا ؟ إنه يعلم يقينا أنه لم يكن هنالك داع لإبتلاع قرصي المسكنات، فالصداع كان آنذاك قد زال، لم يستطع الصمود أمام نظرات عينيها المشفقة ونبرات صوتها الدافئ الحنون، مع ما جاش به من رقة وإشفاق، فإندحر وإنهزم. وأحس بنفسه في قمة من السعادة، إذ تأكد له أن لا صلة لتطبيبه بالعقاقير والمسكنات، فقد كانت هي نفسها الشفاء، فهل كان من نظرات عينيها أصل الداء؟! وزجر نفسه ألا يسترسل، فهي قطعا لا تحس به أكثر من صديق لأخيها، وهل هو بالفعل إلا ذلك؟!
وفيما هو ماض في تأملاته وأفكاره يقلبها ذات اليمين وتقلبه ذات اليسار، لاه بها عن أترابه الذين كانوا يستمتعون بالسباحة في النهر والسباق على الشاطئ، إذا به يحس بشخص يقترب من مجلسه القصي، لا بل شخصين، فرفع رأسه مستطلعا ليجدها ماثلة أمامه تطيل إليه النظر.
شلته المفاجأة وإرتبك فكأنها عرفت أنه لم يكن يفكر في خلوته إلا بها. وأحس بالخجل، إلا أنه تمالك نفسه سريعا وهب واقفا وهو يرحب بهما رغم إرتباكه "أهلا آمنه... أهلا فاطمه..."
الله ... لكم كان ذلك اليوم سعيدا، لقد أشارت له بطرف خفي لحبها الوليد، لكنه أجابها في غموض، لم يكن مصدقا ولم يكن يدر، حتى تلك اللحظة، إن كان ما يحسه نحوها هو الحب أو هو عرفان بالجميل لإهتمامها به وتطبيبه، إلا أنه لا زال يذكر كيف قضيا بقية أيام الإحتفال بالزواج وهما لا يكادا يفترقان إلا لماما، وكانت ثالثتهما صديقتها فاطمة التي لم تكن تفارقها قط والمطلعة على كل خافية لديها
ومرت بخاطره رحلة العودة، إنه لم يتبادل الحديث إلا معها طوال الساعة التي إستغرقتها الرحلة، وهي كانت تتهرب من الحديث إلى صويحباتها بكلمة أو إيماءة لتوليه جل إهتمامها. عند الفراق أومأت إليه براسها أن إلى لقاء قريب، وتحدثت عيناها حين تعذرت الكلمات، قالتا كلاما كثيرا لم تتسع له كل الأيام السابقة، وفهمته عيناه وأرسلتا الإجابة حين تحركت بها العربة إلى منزلها
هه..!! ... إنت سارح وين؟
نعم... أنا ؟! أبدا
ياخي أنا من قبيل أحكي ليك في الفيلم، وإنت أتاريك بعيد، ولا جايب خبري
ما جايب خبرك شنو يا زول، أنا سامعك، إستمر
- أستمر؟! أنا بسألك رأيك فيهو شنو، تقول لي إستمر؟! أهو دا الدليل على إنك ما كنت معاي ولا لحظه. منتهى البياخه
طيب معليش، والله فيلم جميل جدا، خلاص ما تزعل
بالله
وتصافيا بعد أن لام نفسه على تحليقه مع الخيال أثناء حديث صديقه معه، ثم إستأذن منصرفا وما فتئت الذكريات تترى عليه تباعا
...........................................................................
أنزلت آمنة وعاء الطبخ من على الموقد الغازي الذي جلبه لها أخوها ليريحها من عناء الفحم ودخانه، فهو يحبها كثيرا ولا يفتأ يعمل على راحتها، وهي بدورها تكن له الكثير من الحب والود ولا تترك شاردة ولا واردة من حوائجه إلا قضتها دون إشارة منه. أما أختها ثريا، وهي تكبرها بعدة أعوام، فلا تهتم كثيرا بأعمال البيت اليومية، إنما تساعدها أحيانا بإنجاز بعض المهام الصغيرة
عادت بذاكرتها إلى اليومين السابقين، منذ أن توقف القصابون عن بيع اللحوم نسبة لتدني أسعارها وخسارتهم في بيعها، وكانت هذه الأزمة تقلقها كثيرا، فهذا هو اليوم الثالث الذي لم يذوقوا فيه طعم اللحم، وهي تخشى أن يكون يوم الغد إمتدادا لهذه المعاناة، وتفكر فيما عساها تطبخ للغداء دون إستعمال اللحم. بعد أن أعادت تنظيم الأواني، غادرت المطبخ إلى غرفة المعيشة حيث تقضي معظم أوقاتها وإلتقطت مجلة كانت ملقاة على كرسي ثم تمددت على سرير إبتغاء الترويح عن نفسها ببعض القراءة، لكن هيهات يتسنى لها ذلك، وهي بمجرد أن تمسك بيدها أي مادة للقراءة تعاني بشدة من محاولة التركيز في ما تقرأ، ويسبح ذهنها في أيام خلت ويجمح خيالها ويعود بها إلى تلك الأيام الهنيئة، أيام زواج قريبها، تلك الأيام التي تقضت كلمح البصر وتركتها تتحسر وتتمنى لو ترجع عقارب الساعة لتعيشها ثانية لحظة لحظة
دون أن تشعر، ودون أن تتوقف يداها عن تقليب صفحات المجلة، بدأ شريط الأحداث يمر أمام مخيلتها منذ أن تحرك ركب "السيرة"، ثم الحفلة، ثم... أخذت الأحداث تتداعى بالتفصيل عند شاطئ النهر. في ذلك اليوم إقترحت عليها صديقتها فاطمة أن يذهبا إلى الشاطئ لينعما بمنظر النيل والشجر وجمال الطبيعة عند الأصيل. ووجد الإقتراح صدى إيجابيا في نفسها، ورافقتهما شلة من الزهرات كانت نيتهم الإنطلاق على سجيتهم والإستمتاع حيث لا حسيب ولا رقيب. ولكن بمجرد وصولهن لمحت لفيفا من الشبان، عرفت منهم البعض وأحست بشيء من عدم الراحة إذ سيجبرن على التصرف في أضيق الحدود، وقد ولت فرصة التمتع واللهو
عند النزول على المنحدر المشرف على الشاطئ لمحت أحدهم وقد إنتآ بقعة قصية يتأمل الأمواج تهمس للشاطئ، تناجيه وتبثه أسرارها. إنه هو، نعم... ليس غيره، وأومأت لصديقتها وإنفصلتا عن الجمع متجهتين إليه وهو في شغل عنهما. كانت مترددة يكبل خطواتها الحياء، يا للعجب، أهذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها إليه؟! فما بالها إذن؟! ولكن ماذا يمكن أن تقول له وليس هنالك من حديث يمكن أن يخوضا فيه غير الحفل وكيف كان، وما هذا ما كانت تود سماعه أو قوله، فلتسأله عن الصداع الذي شكى منه صباحا، على أقل الإعتبارات سوف تطمئن عليه. ولكنه جنبها كل هذا بتعليقه على منظر الماء وتلاحمه مع رمل الشاطئ وكم فيه من سحر وإفتتان. وتشعب الحديث في السحر ثم تطرق إلى الفن والإفتتان، وتذكر أنه قال أن الشخص لابد يفتن بأي شيء فيه مسحة من جمال، أو قطرة من سحر، على أنها أشياء قياسها نسبي. وهل هي بحاجة إلى الجمال أو السحر؟! فهل يعني هذا أنه يشهد على نفسه بإفتتانه بها؟! أم تراه يحبها؟! إنها تعرف أنها جميلة ساحرة فاتنة، وهي تعلم تماما أن ما إجتمع لها من الجمال والسحر يفوق أترابها مجتمعات، فحتى معارفها من البنات يقبلن على الحديث معها ويطلبن ودها لجمالها وخفة روحها وحلاوتها وطلاوتها. لكن مالها الآن تفكر في نفسها وتنسى تلك اللحظات الجميلة، لقد تطرق ثلاثتهم ضمن الموضوعات العديدة التي خاضوا فيها إلى ذكر الحب، وحانت اللحظة التي كانت تترجاها. هل يصارحها بحبه؟! هل أدار دفة الحديث هذه الوجهة بغية البوح لها؟! أم سوف يتردد ويحجم... بل لعله لا يحس بها مطلقا... ولكن حدسها يقول غير ذلك، وهي حتما صادقة في إحساسها، فإنها تقرأ الحب في عينيه، في نظرته، في إطراقه بعد كل مرة تلتقي بها عيناهما، أو حين تهرب عيناه من لقاء عينيها، تقرأه في تهدجات صوته حين يخاطبها، أو حين ينادي بإسمها، همسا كأنه يناجيها. إنها تعلم أن في طبعه شيء من الخجل المؤدب، وذاك حبيب إلى نفسها، فهي لا تحب أن يتجرد شاب من هذه الصفة، لا لسبب سوى أنه جاء إلى الدنيا ولديه من الحقوق ما يود، وليس عليه من الواجبات شيء يذكر، ولأنه وجد المرأة، وكل ما كلل به هامها هو التقيد بنظم ولوائح من وحي العهود البائدة، التي حرمتها من كل شيء لأنها إمرأة، ومن آنست في نفسها الشجاعة للتصدي لنيل حقوقها، إعتبرت مارقا وإنصبت عليها اللعنات. مالها وهذا الآن، لقد وجدت في نفسها ما يكفي من الجرأة لتقول له أنها تميل إليه كثيرا، وهي كانت تود لو قالت أنها تحبه كثيرا، وهي غير نادمة على ما قالت بل نادمة على مبادرة البوح، رغم أنها وجدت صدى كبيرا لقولها في نفسه أنساها ندمها على المبادرة سريعا، فهو أيضا يميل إليها، فلو إستطاعت تفسير الميل من ناحيتها بالحب، فلم لا تفسر الميل من ناحيته بالحب أيضا؟؟ وهي تعلم جيدا أنه يتصف بقدر من الحياء يمنعه من البوح بالحب جهارا أمام شخص ثالث، فقد كانت فاطمة برفقتها آنذاك. هل الميل إلى شخص والراحة في قربه إلا حبا، إنه الحب... إنه الحب... فهو إذا يحبها، يا لسعادتها ويا لفرحتها الكبرى
تقضت أيام الزواج خفيفة سريعة، وهي ترجو أن يهمس لها بالكلمة الحبيبة، ولكن الفرصة لم تتح لهما على إنفراد مرة ثانية. وبعد عودتهم إلى ديارهم جاءهم زائرا في أمسية يوم هادئ، ولم يكن بالمنزل أحد غيرها، فجلسا يتجاذبان أطراف حديث شجي، ولكم عجبت من أين لهما ذلك القدر من الموضوعات يتناولانها دون ما كلل. ولكن أي منها لم يستطع أو يجرؤ أن يوجه دفة الحديث الوجهة التي كان كلاهما يود، حتى حانت لحظة إنصرافه، فإستأذن مودعا بنظراتها الولهى
صارت تتوقع قدومه بين يوم وآخر، حتى هل عليهم ذات أمسية وجلس مع أخيها يتحادثان. أسرعت تفكر في طريقة تمكنها من لقائه والقرب منه ولو للحظات، فوجدت أحسن وسيلة لديها هي الشاي. لكم كان الموقد بليدا ذلك المساء، فهي لم تنجح في إشعاله إلا بعد أن إنطفأت في يدها ثلاثة من أعواد الثقاب، وكأنه كان يعرف هدفها من إشعاله، أو أنها كانت ترتجف شوقا وترقبا، كما أنها تذكر أن الوقت الذي إستغرقه إعداد الشاي كان كافيا لإعداد وليمة بأكملها. ما عليها، هاهو الشاي الآن معدا، وأسرعت تحمله لتقديمه لهما قبل أن يأتي صلاح فيحمله وتضيع عليها السانحة التي طالما تطلعت إليها
كان في سلامه طبيعيا جدا، وإن لحظت ما خالته لهفة في صوته. لم يضغط على يدها، وإن إحتوت يده يدها وأشاعت الدفء في جسمها وسرى منها تيار من الشوق، وحين واتتها الشجاعة ونظرت في عينيه لمحة خاطفة، وجدت نفسها ووجودها مجسما فيهما، وتأكد لها أنها لن تستطيع العيش دون أن تراهما بجانبها يصدرا ذاك البريق الذي يبعث الدفء ويشيع الطمأنينة في قرارة نفسها. سريعا إنتهت لحظات اللقاء، وعادت أدراجها إذ لم تجد ما يبرر وجودها معهما. بعد إنصرافه أتت بآنية الشاي وصبت لنفسها فنجالا وهي تمنيها أن يكون نفس الفنجال الذي به تناول الشاي
وأفاقت على يد ثريا تهزها من كتفها
"يعني مندمجه للدرجه دي؟! بتقري في شنو أصلك؟"
وحاولت أن تلحظ بسرعة الصفحة التي توقف عندها التقليب، فلم تجد سوى إعلانات وبعضا من الصور
"بتفرج في الصور"
"والبتفرج في الصور ما بسمع؟... أسه أمي بتناديك، قومي شوفيها"
وأضافت وهي تلتقط المجلة التي تركتها آمنة تسقط
"غايتو الله يجيبو ليك طيب ياختي"
"منو ده ال الله يجيبو لي ده؟"
"الشاغل فكرك ومخليك تتفرجي بعيونك وإضنيك"
"هه!!... نعم يمه، جاياك..."
وقامت متعللة بإجابة نداء والدتها الذي عاد يتكرر وهي في الواقع تود الهرب من حديث أختها اللاذع، التي ما فتئت تفاجئها في لحظات شرودها، وما أكثرها هذه الأيام. وهي تعلم أن ثريا تود من أعماقها وبكل جهدها التعرف على ما يشغلها وما يسبب حالة السرحان التي بدأت تلازمها في كل الأوقات وتسبب لها حرجا
عادت بذاكرتها إلى اليومين السابقين، منذ أن توقف القصابون عن بيع اللحوم نسبة لتدني أسعارها وخسارتهم في بيعها، وكانت هذه الأزمة تقلقها كثيرا، فهذا هو اليوم الثالث الذي لم يذوقوا فيه طعم اللحم، وهي تخشى أن يكون يوم الغد إمتدادا لهذه المعاناة، وتفكر فيما عساها تطبخ للغداء دون إستعمال اللحم. بعد أن أعادت تنظيم الأواني، غادرت المطبخ إلى غرفة المعيشة حيث تقضي معظم أوقاتها وإلتقطت مجلة كانت ملقاة على كرسي ثم تمددت على سرير إبتغاء الترويح عن نفسها ببعض القراءة، لكن هيهات يتسنى لها ذلك، وهي بمجرد أن تمسك بيدها أي مادة للقراءة تعاني بشدة من محاولة التركيز في ما تقرأ، ويسبح ذهنها في أيام خلت ويجمح خيالها ويعود بها إلى تلك الأيام الهنيئة، أيام زواج قريبها، تلك الأيام التي تقضت كلمح البصر وتركتها تتحسر وتتمنى لو ترجع عقارب الساعة لتعيشها ثانية لحظة لحظة
دون أن تشعر، ودون أن تتوقف يداها عن تقليب صفحات المجلة، بدأ شريط الأحداث يمر أمام مخيلتها منذ أن تحرك ركب "السيرة"، ثم الحفلة، ثم... أخذت الأحداث تتداعى بالتفصيل عند شاطئ النهر. في ذلك اليوم إقترحت عليها صديقتها فاطمة أن يذهبا إلى الشاطئ لينعما بمنظر النيل والشجر وجمال الطبيعة عند الأصيل. ووجد الإقتراح صدى إيجابيا في نفسها، ورافقتهما شلة من الزهرات كانت نيتهم الإنطلاق على سجيتهم والإستمتاع حيث لا حسيب ولا رقيب. ولكن بمجرد وصولهن لمحت لفيفا من الشبان، عرفت منهم البعض وأحست بشيء من عدم الراحة إذ سيجبرن على التصرف في أضيق الحدود، وقد ولت فرصة التمتع واللهو
عند النزول على المنحدر المشرف على الشاطئ لمحت أحدهم وقد إنتآ بقعة قصية يتأمل الأمواج تهمس للشاطئ، تناجيه وتبثه أسرارها. إنه هو، نعم... ليس غيره، وأومأت لصديقتها وإنفصلتا عن الجمع متجهتين إليه وهو في شغل عنهما. كانت مترددة يكبل خطواتها الحياء، يا للعجب، أهذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها إليه؟! فما بالها إذن؟! ولكن ماذا يمكن أن تقول له وليس هنالك من حديث يمكن أن يخوضا فيه غير الحفل وكيف كان، وما هذا ما كانت تود سماعه أو قوله، فلتسأله عن الصداع الذي شكى منه صباحا، على أقل الإعتبارات سوف تطمئن عليه. ولكنه جنبها كل هذا بتعليقه على منظر الماء وتلاحمه مع رمل الشاطئ وكم فيه من سحر وإفتتان. وتشعب الحديث في السحر ثم تطرق إلى الفن والإفتتان، وتذكر أنه قال أن الشخص لابد يفتن بأي شيء فيه مسحة من جمال، أو قطرة من سحر، على أنها أشياء قياسها نسبي. وهل هي بحاجة إلى الجمال أو السحر؟! فهل يعني هذا أنه يشهد على نفسه بإفتتانه بها؟! أم تراه يحبها؟! إنها تعرف أنها جميلة ساحرة فاتنة، وهي تعلم تماما أن ما إجتمع لها من الجمال والسحر يفوق أترابها مجتمعات، فحتى معارفها من البنات يقبلن على الحديث معها ويطلبن ودها لجمالها وخفة روحها وحلاوتها وطلاوتها. لكن مالها الآن تفكر في نفسها وتنسى تلك اللحظات الجميلة، لقد تطرق ثلاثتهم ضمن الموضوعات العديدة التي خاضوا فيها إلى ذكر الحب، وحانت اللحظة التي كانت تترجاها. هل يصارحها بحبه؟! هل أدار دفة الحديث هذه الوجهة بغية البوح لها؟! أم سوف يتردد ويحجم... بل لعله لا يحس بها مطلقا... ولكن حدسها يقول غير ذلك، وهي حتما صادقة في إحساسها، فإنها تقرأ الحب في عينيه، في نظرته، في إطراقه بعد كل مرة تلتقي بها عيناهما، أو حين تهرب عيناه من لقاء عينيها، تقرأه في تهدجات صوته حين يخاطبها، أو حين ينادي بإسمها، همسا كأنه يناجيها. إنها تعلم أن في طبعه شيء من الخجل المؤدب، وذاك حبيب إلى نفسها، فهي لا تحب أن يتجرد شاب من هذه الصفة، لا لسبب سوى أنه جاء إلى الدنيا ولديه من الحقوق ما يود، وليس عليه من الواجبات شيء يذكر، ولأنه وجد المرأة، وكل ما كلل به هامها هو التقيد بنظم ولوائح من وحي العهود البائدة، التي حرمتها من كل شيء لأنها إمرأة، ومن آنست في نفسها الشجاعة للتصدي لنيل حقوقها، إعتبرت مارقا وإنصبت عليها اللعنات. مالها وهذا الآن، لقد وجدت في نفسها ما يكفي من الجرأة لتقول له أنها تميل إليه كثيرا، وهي كانت تود لو قالت أنها تحبه كثيرا، وهي غير نادمة على ما قالت بل نادمة على مبادرة البوح، رغم أنها وجدت صدى كبيرا لقولها في نفسه أنساها ندمها على المبادرة سريعا، فهو أيضا يميل إليها، فلو إستطاعت تفسير الميل من ناحيتها بالحب، فلم لا تفسر الميل من ناحيته بالحب أيضا؟؟ وهي تعلم جيدا أنه يتصف بقدر من الحياء يمنعه من البوح بالحب جهارا أمام شخص ثالث، فقد كانت فاطمة برفقتها آنذاك. هل الميل إلى شخص والراحة في قربه إلا حبا، إنه الحب... إنه الحب... فهو إذا يحبها، يا لسعادتها ويا لفرحتها الكبرى
تقضت أيام الزواج خفيفة سريعة، وهي ترجو أن يهمس لها بالكلمة الحبيبة، ولكن الفرصة لم تتح لهما على إنفراد مرة ثانية. وبعد عودتهم إلى ديارهم جاءهم زائرا في أمسية يوم هادئ، ولم يكن بالمنزل أحد غيرها، فجلسا يتجاذبان أطراف حديث شجي، ولكم عجبت من أين لهما ذلك القدر من الموضوعات يتناولانها دون ما كلل. ولكن أي منها لم يستطع أو يجرؤ أن يوجه دفة الحديث الوجهة التي كان كلاهما يود، حتى حانت لحظة إنصرافه، فإستأذن مودعا بنظراتها الولهى
صارت تتوقع قدومه بين يوم وآخر، حتى هل عليهم ذات أمسية وجلس مع أخيها يتحادثان. أسرعت تفكر في طريقة تمكنها من لقائه والقرب منه ولو للحظات، فوجدت أحسن وسيلة لديها هي الشاي. لكم كان الموقد بليدا ذلك المساء، فهي لم تنجح في إشعاله إلا بعد أن إنطفأت في يدها ثلاثة من أعواد الثقاب، وكأنه كان يعرف هدفها من إشعاله، أو أنها كانت ترتجف شوقا وترقبا، كما أنها تذكر أن الوقت الذي إستغرقه إعداد الشاي كان كافيا لإعداد وليمة بأكملها. ما عليها، هاهو الشاي الآن معدا، وأسرعت تحمله لتقديمه لهما قبل أن يأتي صلاح فيحمله وتضيع عليها السانحة التي طالما تطلعت إليها
كان في سلامه طبيعيا جدا، وإن لحظت ما خالته لهفة في صوته. لم يضغط على يدها، وإن إحتوت يده يدها وأشاعت الدفء في جسمها وسرى منها تيار من الشوق، وحين واتتها الشجاعة ونظرت في عينيه لمحة خاطفة، وجدت نفسها ووجودها مجسما فيهما، وتأكد لها أنها لن تستطيع العيش دون أن تراهما بجانبها يصدرا ذاك البريق الذي يبعث الدفء ويشيع الطمأنينة في قرارة نفسها. سريعا إنتهت لحظات اللقاء، وعادت أدراجها إذ لم تجد ما يبرر وجودها معهما. بعد إنصرافه أتت بآنية الشاي وصبت لنفسها فنجالا وهي تمنيها أن يكون نفس الفنجال الذي به تناول الشاي
وأفاقت على يد ثريا تهزها من كتفها
"يعني مندمجه للدرجه دي؟! بتقري في شنو أصلك؟"
وحاولت أن تلحظ بسرعة الصفحة التي توقف عندها التقليب، فلم تجد سوى إعلانات وبعضا من الصور
"بتفرج في الصور"
"والبتفرج في الصور ما بسمع؟... أسه أمي بتناديك، قومي شوفيها"
وأضافت وهي تلتقط المجلة التي تركتها آمنة تسقط
"غايتو الله يجيبو ليك طيب ياختي"
"منو ده ال الله يجيبو لي ده؟"
"الشاغل فكرك ومخليك تتفرجي بعيونك وإضنيك"
"هه!!... نعم يمه، جاياك..."
وقامت متعللة بإجابة نداء والدتها الذي عاد يتكرر وهي في الواقع تود الهرب من حديث أختها اللاذع، التي ما فتئت تفاجئها في لحظات شرودها، وما أكثرها هذه الأيام. وهي تعلم أن ثريا تود من أعماقها وبكل جهدها التعرف على ما يشغلها وما يسبب حالة السرحان التي بدأت تلازمها في كل الأوقات وتسبب لها حرجا
...........................................................................
نظرت سكينة إلى إبنتها الكبرى بتحسر، فقد جاوزت سن الزواج وليس من نصيب بعد ولا قسمة، في حين أن أختها الصغرى قد برهنت لهم من كثرة طارقي بابها، الذين كانت تصدهم إجابة أن سبق وتقدم لطلب يدها أحد بني عمها، أن لا شيء قد فات وأن الأمل ما زال موجودا، فالبيت منزل، ولكن هل يعقل أن تتزوج الصغرى قبل الكبرى، أم هل يعقل أن تؤخر من عليها الطلب حتى يني عنها الطالبون؟؟!... إن هذا الموضوع صار هاجسها الشاغل طيلة اليوم. إنها تعلم أن كلتيهما ربة بيت ممتازة، وتستطيع تدبير أمر بيت الزوجية على أكمل الوجوه، فهي لم تقصر في واجبها نحوهما من تربية حسنة وأدب جم ومران متكامل على الأعمال المنزلية، إلا أن ثريا لا تكاد تقوم بشئ من هذه الأعمال الآن، لذا فإن أختها آمنه قد بزتها في هذا المضمار وإحتلت الصدارة في كل ما يتطلبه المنزل من نشاط وعناية وتدبير، حتى أنها وهي أمهما لا تكاد تزيح وعاء من مكانه حتى تهرع لها آمنه في إعزاز قائلة - "خليك يا أمي، ما كفاية السويتيهو لينا، شلتينا وربيتينا وتعبتي علينا صغار، كمان تخدمينا كبار؟! أدينا فرصة عشان نريحك شويه"
سمعت طرقا على الباب ورأت آمنة متجهة لفتحه للطارق ثم صافح سمعها صوت تحبه وتحترمه جدا، فهذا الشاب مثال للأدب وكمال الخلق وهو الصديق الصدوق لإبنها صلاح. إنها تحس الآن بشعور من الخدر اللذيذ كمن إطلع على سر لم يحن بعد أوان ظهوره، ذاك أنها تعلم ما يربط إبنتها آمنة، ولها في تصرفاتها كل الثقة، بهذا الشاب المحبوب من جميع أهل البيت. وهي تتابع في تخف نمو هذه النبتة الطيبة وسوف ترعاها وتتعهدها بعنايتها حتى تنضج وتثمر أسرة صغيرة سعيدة. إنها بهذا تفيد مرتين، أو كما يقولون تضرب عصفورين بحجر، إذ هي تعلم أن عليا لم يصل من العمر ما يؤهله ليتقدم لها خاطبا، ولو تقدم ما صده أحد، إنما هو في إنتظار مرحلة تثبيت أقدامه بعد إكماله دراسته وتركيز نفسه ماديا، لأنه يود الإعتماد على نفسه في موضوع حيوي يختص بمستقبله بل وحياته كلها مثل الزواج. هذا يضمن أنه لا يفكر الآن في زواج، وحسب إعتقادها فسوف يتقدم طالبا يد آمنه حالما يأنس في نفسه المقدرة على تكوين أسرة وكفالتها ورعايتها، مما يعطي إبنتها الكبرى فرصة أوسع وضمانا لعدم سبق الصغرى لها
راقبت الأم آمنه وهي تسير بجانب علي وهما يتحدثان في خفوت، منتهى الإنسجام، سوف يدلف إلى حيث إبنها صلاح، لا بل هما متجهان ناحيتها، إنه كعادته لا ينسى أن يخصها بالسلام والتحية، ونهضت في ترحاب وهي تود لو تضمه إلى صدرها في حنان لتعبر له عن مبلغ حبها وتقديرها لشخصه
"إزيك يا خالتي سكينه"
"أهلا يا علي يا ولدي... ناس أمك شديدين؟"
"بخير الحمد لله... بسلموا عليكم. إزيك يا ثريا"
"الله يسلمك"
قالتها ثريا وهي تعتدل بتلقائية في مجلسها وترقب أختها التي فشلت في إخفاء مسحة السعادة التي طفرت من عينيها وطافت وجهها لتغمركل ملامحها
"عن إذنكم أشوف صلاح"
"...إتفضل يا ولدي"
كانت تعلم الخطوة التالية التي سوف تقوم بها آمنه وظلت تلحظها بطرف خفي. لماذا كل هذا التأني؟ تريدين أن يبدو كل شيء طبيعيا؟ حسنا، ولكن هذا لا يجدي معي، فأنا أعلم تماما ما أفلحت هاتان العينان الجميلتان في إخفائه وأستطيع قراءة ما لم تفلحا في إخفائه، لتقومي ودعي التردد جانبا، أم تريدين تذكيرا بواجبك؟؟
"عاوزين شاي؟"
قالتها آمنه وهي تحاول أن يكون سؤالا طبيعيا، ولم يكن سؤالا بقدر ما كان إسقراء لمستقبل قريب، فهي لم تتريث بل قامت من فورها إلى المطبخ وأعدت الشاي ووضعته أمام والدتها ثم قفلت عائدة سريعا وحملت صينية أخرى متوجهة إلى غرفة أخيها، إنها اللحظات التي أعد من أجلها الشاي، وعادت بعد قليل وقد إزدادت الإشراقة في وجهها وأطلت السعادة من عينيها. إنه الحب
سمعت طرقا على الباب ورأت آمنة متجهة لفتحه للطارق ثم صافح سمعها صوت تحبه وتحترمه جدا، فهذا الشاب مثال للأدب وكمال الخلق وهو الصديق الصدوق لإبنها صلاح. إنها تحس الآن بشعور من الخدر اللذيذ كمن إطلع على سر لم يحن بعد أوان ظهوره، ذاك أنها تعلم ما يربط إبنتها آمنة، ولها في تصرفاتها كل الثقة، بهذا الشاب المحبوب من جميع أهل البيت. وهي تتابع في تخف نمو هذه النبتة الطيبة وسوف ترعاها وتتعهدها بعنايتها حتى تنضج وتثمر أسرة صغيرة سعيدة. إنها بهذا تفيد مرتين، أو كما يقولون تضرب عصفورين بحجر، إذ هي تعلم أن عليا لم يصل من العمر ما يؤهله ليتقدم لها خاطبا، ولو تقدم ما صده أحد، إنما هو في إنتظار مرحلة تثبيت أقدامه بعد إكماله دراسته وتركيز نفسه ماديا، لأنه يود الإعتماد على نفسه في موضوع حيوي يختص بمستقبله بل وحياته كلها مثل الزواج. هذا يضمن أنه لا يفكر الآن في زواج، وحسب إعتقادها فسوف يتقدم طالبا يد آمنه حالما يأنس في نفسه المقدرة على تكوين أسرة وكفالتها ورعايتها، مما يعطي إبنتها الكبرى فرصة أوسع وضمانا لعدم سبق الصغرى لها
راقبت الأم آمنه وهي تسير بجانب علي وهما يتحدثان في خفوت، منتهى الإنسجام، سوف يدلف إلى حيث إبنها صلاح، لا بل هما متجهان ناحيتها، إنه كعادته لا ينسى أن يخصها بالسلام والتحية، ونهضت في ترحاب وهي تود لو تضمه إلى صدرها في حنان لتعبر له عن مبلغ حبها وتقديرها لشخصه
"إزيك يا خالتي سكينه"
"أهلا يا علي يا ولدي... ناس أمك شديدين؟"
"بخير الحمد لله... بسلموا عليكم. إزيك يا ثريا"
"الله يسلمك"
قالتها ثريا وهي تعتدل بتلقائية في مجلسها وترقب أختها التي فشلت في إخفاء مسحة السعادة التي طفرت من عينيها وطافت وجهها لتغمركل ملامحها
"عن إذنكم أشوف صلاح"
"...إتفضل يا ولدي"
كانت تعلم الخطوة التالية التي سوف تقوم بها آمنه وظلت تلحظها بطرف خفي. لماذا كل هذا التأني؟ تريدين أن يبدو كل شيء طبيعيا؟ حسنا، ولكن هذا لا يجدي معي، فأنا أعلم تماما ما أفلحت هاتان العينان الجميلتان في إخفائه وأستطيع قراءة ما لم تفلحا في إخفائه، لتقومي ودعي التردد جانبا، أم تريدين تذكيرا بواجبك؟؟
"عاوزين شاي؟"
قالتها آمنه وهي تحاول أن يكون سؤالا طبيعيا، ولم يكن سؤالا بقدر ما كان إسقراء لمستقبل قريب، فهي لم تتريث بل قامت من فورها إلى المطبخ وأعدت الشاي ووضعته أمام والدتها ثم قفلت عائدة سريعا وحملت صينية أخرى متوجهة إلى غرفة أخيها، إنها اللحظات التي أعد من أجلها الشاي، وعادت بعد قليل وقد إزدادت الإشراقة في وجهها وأطلت السعادة من عينيها. إنه الحب
...........................................................................
...........................................................................
...........................................................................
هاشم خوجلي
بري المحس - مايو 1967م
...........................................................................
هاشم خوجلي
بري المحس - مايو 1967م
تثقيفات جمركية - قصة قصيرة
بدأ الموظفون المختصون مباشرة إجراءات وزن أمتعة المسافرين، وكان الوقت يمر بطيئا وأنا أسلي نفسي بمراقبة وجه الموظف المشرف على العمل، لما يوحي به من كدر وسخط وإشمئزاز لا يحاول مداراته، من هذا الكم الهائل من البشر الذي تكدس بإنتظاره. مرت اللحظات ببطء قاتل حتى وجدت نفسي أنهيت وزن أمتعتي بل وإجتزت منطقة مراقبة الجوازات وقد إستقر خاتم الخروج على إحدى صفحات جواز سفري بطريقة عشوائية ليس بها أي اعتبار لتسلسل الصفحات أو لتوافق الأختام
توجهت إلى صالة الجمارك للتعرف على متعلقاتي والسماح للموظف المختص بفتح أمتعتي والإطلاع على ما بها، وكان ذلك إجراءا تقليديا في تلك الفترة، ويتم عادة خلال لحظات، لولا أن القدر كان يدخر لي ما يزيد من كدري وتعكير صفوي. تم تفتيش حقيبة ملابسي من قبل إحدى الموظفات، ثم فتحت الكرتونة التي كنت مكلفا بإيصالها إلى إحدى قريباتي، وتم كل ذلك في هدؤ وسرعة، رغم أني لم أكن على عجلة من أمري لأن موعد إقلاع رحلتي لم يكن قد أعلن بعد. ثم بدأت الأمور تتعقد حين جاء دور أسطوانات خزن المعلومات الخاصة بالحاسب الآلي، والتي كنت أحملها بيدي وهي داخل خزانة صغيرة خاصة بها، ضنا بها من التعرض لما قد لا أحمد عقباه، بدت في الأفق بوادر أزمة، إذ أن الموظفة المحترمة، والتي تعمل في مرفق حساس كجمارك مطار عاصمة السودان، وهو مكان تشاهد فيه كل تطورات العلم في العالم المتحضر الخارجي، وتقابل فيه كل المستويات من الفئات الإنسانية المستنيرة، وهي تمر خلال صالة الجمارك، لم تستطع هذه الموظفة المحدودة الفهم المتدنية الإدراك، أن تعرف ماذا تعني أسطوانة تخزين المعلومات على الحاسب الآلي "سي دي"، ولا ماهية هذه المعلومات التي تخزن، ولا أظنني أستغرب إن لم تكن تعرف ما هو الحاسب الآلي نفسه
رفضت الموظفة المثقفة السماح لي بالمرور، وطلبت المشورة من زميل لها يباشر تقليب محتويات حقائب المسافرين في سرور وحشي خبيث، كأنه فرح لأنه يطلع على أسرار ما يحملونه معهم، أو على طريقة ترتيب أمتعتهم عند السفر. وجاء وعلى وجهه سيماء الخبير الضالع على كل مستعصي. أخذ المستشار الخبير يقلب إحدى الأسطوانات في يديه وهو يحدجني بين الفينة والأخرى بنظرة تبدو فيها إدانة واضحة وكأنه يقول لي، ها قد وقعت في شر أعمالك أيها المجرم الخطير. وأظن أن الخبير هذا قد تأكد له بأن هذه الأشياء الغريبة الشكل، والتي لا توجد لها مرادفات في كل قواميسهم، لابد أن تكون هي نتاج أعمالي التي وقعت أخيرا في شرها، وهي لابد أن تكون تمويها لشيء جد خطير قصد به شيء أخطر، وهي لابد أن تكون متفجرات أو قنابل موقوتة إدخرتها لأفجر بها طائرة سودانير المسكينة، دون ذنب جنته، وإن لقيت حتفي معها، أو أن ما بها من معلومات، إن كان حقا بها معلومات كما كنت أدعي، هو على أبسط الإفتراضات، معلومات عن أسرار عسكرية أو إقتصادية عالية السرية وعلى مستوى رفيع من الأهمية، تتعلق، ليس بأمن السودان فقط أو بأني ربما أزمعت تغيير مسار نهر النيل العظيم أو تجفيفه، بل قد تمس أمن العالم أو مستقبل الحياة البشرية على ظهر الأرض، أو إيقاف دوران كوكب الأرض حول الشمس
توجهت إلى صالة الجمارك للتعرف على متعلقاتي والسماح للموظف المختص بفتح أمتعتي والإطلاع على ما بها، وكان ذلك إجراءا تقليديا في تلك الفترة، ويتم عادة خلال لحظات، لولا أن القدر كان يدخر لي ما يزيد من كدري وتعكير صفوي. تم تفتيش حقيبة ملابسي من قبل إحدى الموظفات، ثم فتحت الكرتونة التي كنت مكلفا بإيصالها إلى إحدى قريباتي، وتم كل ذلك في هدؤ وسرعة، رغم أني لم أكن على عجلة من أمري لأن موعد إقلاع رحلتي لم يكن قد أعلن بعد. ثم بدأت الأمور تتعقد حين جاء دور أسطوانات خزن المعلومات الخاصة بالحاسب الآلي، والتي كنت أحملها بيدي وهي داخل خزانة صغيرة خاصة بها، ضنا بها من التعرض لما قد لا أحمد عقباه، بدت في الأفق بوادر أزمة، إذ أن الموظفة المحترمة، والتي تعمل في مرفق حساس كجمارك مطار عاصمة السودان، وهو مكان تشاهد فيه كل تطورات العلم في العالم المتحضر الخارجي، وتقابل فيه كل المستويات من الفئات الإنسانية المستنيرة، وهي تمر خلال صالة الجمارك، لم تستطع هذه الموظفة المحدودة الفهم المتدنية الإدراك، أن تعرف ماذا تعني أسطوانة تخزين المعلومات على الحاسب الآلي "سي دي"، ولا ماهية هذه المعلومات التي تخزن، ولا أظنني أستغرب إن لم تكن تعرف ما هو الحاسب الآلي نفسه
رفضت الموظفة المثقفة السماح لي بالمرور، وطلبت المشورة من زميل لها يباشر تقليب محتويات حقائب المسافرين في سرور وحشي خبيث، كأنه فرح لأنه يطلع على أسرار ما يحملونه معهم، أو على طريقة ترتيب أمتعتهم عند السفر. وجاء وعلى وجهه سيماء الخبير الضالع على كل مستعصي. أخذ المستشار الخبير يقلب إحدى الأسطوانات في يديه وهو يحدجني بين الفينة والأخرى بنظرة تبدو فيها إدانة واضحة وكأنه يقول لي، ها قد وقعت في شر أعمالك أيها المجرم الخطير. وأظن أن الخبير هذا قد تأكد له بأن هذه الأشياء الغريبة الشكل، والتي لا توجد لها مرادفات في كل قواميسهم، لابد أن تكون هي نتاج أعمالي التي وقعت أخيرا في شرها، وهي لابد أن تكون تمويها لشيء جد خطير قصد به شيء أخطر، وهي لابد أن تكون متفجرات أو قنابل موقوتة إدخرتها لأفجر بها طائرة سودانير المسكينة، دون ذنب جنته، وإن لقيت حتفي معها، أو أن ما بها من معلومات، إن كان حقا بها معلومات كما كنت أدعي، هو على أبسط الإفتراضات، معلومات عن أسرار عسكرية أو إقتصادية عالية السرية وعلى مستوى رفيع من الأهمية، تتعلق، ليس بأمن السودان فقط أو بأني ربما أزمعت تغيير مسار نهر النيل العظيم أو تجفيفه، بل قد تمس أمن العالم أو مستقبل الحياة البشرية على ظهر الأرض، أو إيقاف دوران كوكب الأرض حول الشمس
...........................................................................
مواصلة لتتابع الأحداث فقد تم إخطار رئيس الوردية، الذي إستدعى رئيس القسم على عجل وعرضت عليه أدلة إدانتي الدامغة، والتي لم يعرف لها أصل ولم يتمكن أحد من تسميتها، وأنا قد أعياني الشرح، ولو تواتر تتابع الإستدعاءات هذا، لتم إستدعاء مدير الجمارك ثم مدير المطار متبوعا بمدير الأمن والطيران المدني والعسكري، وقد يصل الأمر لإستدعاء وزير الداخلية ثم حسب منطق التتابع الذي مورس أمامي فحتما سيأتي الدور على رئيس الوزراء ثم رئيس الجمهورية، وأنا من كنت أتوقع أن هؤلاء الناس هم من الصفوة في مجال التطور والتقدم العلمي، لما يحتمه مكان مزاولتهم عملهم من معرفة وثقافة، أو على أقل التقديرات، الدراية الأولية بمنجزات العلم في العالم، وإذا بي أفاجأ بأنه يجب علي أن أشرح ماهية أبجديات الأشياء وكيف تعمل وفيم تستخدم، دون أن أحظى بمن يفهم ما أقول
لم أجد ذهنا يستوعب ما كنت أحاول إدخاله قسرا في رؤوس خاوية تدعي العلم زورا، فكدت أستسلم، بل بدأت أستحضر أرقام بعض الهواتف حتى يتصلوا بمن يأتي ويتسلم هذه المحظورات الخطيرة للغاية، لولا أن المحترم جدا رئيس الوردية، الذي كان مشغولا مع أحد خلصائه بحديث خاص، قد يكون عن سهرة ماضية أو لاحقة، قرر أن ينهي الموقف وهو ما يزال في مركز القوة، ولشركاء هذه السهرة خالص التقدير مني، إذ أنهم دون علمهم أنقذوا الموقف وحسموا الجدال حين أمر الموظفة بإشارة مبهمة من يده، أن تسمح لي بالمرور وتفرج عن هذه الأشياء الغريبة، بعد أن مر من الزمن مقدار لم أحسه ولكني أدركته حين وجدتني وحيدا وسط موظفي الجمارك، وقد أدرك المسافرون صالة الإنتظار دوني
صعدت زفرات حرى وأنا أرثى لواقع الحال، حالي وحال هؤلاء المسحوقين الذين يعيشون على أبواب الحضارة ولا يجرؤون على إجتيازه، وجرجرت خطواتى قاصدا الصالة، وعند المدخل فوجئت بأن أمامي صورة حقيقية أخرى لكامل معنى الفوضى ومرادف التخلف، وعدم النظام واللامبالاة، فلسؤ حظي كان المكان على ضيقه، غير مقتصر محتواه على ركاب الطائرة التي سأقلع على متنها، بل يبدو أن هنالك رحلة أخرى، وقد تأخرت عن موعد إقلاعها، كما هي طبيعة الحال بمطار الخرطوم الدولي، وقد جلس المسافرون عليها على جل المقاعد، وأنا أقول مجازا أنهم قد جلسوا، فالواقع أنهم قد تكدسوا وتراكموا، وسط حقائب كبيرة وفوق زكائب ضخمة وبين أمتعة كثيرة ومهولة
لم أجد ذهنا يستوعب ما كنت أحاول إدخاله قسرا في رؤوس خاوية تدعي العلم زورا، فكدت أستسلم، بل بدأت أستحضر أرقام بعض الهواتف حتى يتصلوا بمن يأتي ويتسلم هذه المحظورات الخطيرة للغاية، لولا أن المحترم جدا رئيس الوردية، الذي كان مشغولا مع أحد خلصائه بحديث خاص، قد يكون عن سهرة ماضية أو لاحقة، قرر أن ينهي الموقف وهو ما يزال في مركز القوة، ولشركاء هذه السهرة خالص التقدير مني، إذ أنهم دون علمهم أنقذوا الموقف وحسموا الجدال حين أمر الموظفة بإشارة مبهمة من يده، أن تسمح لي بالمرور وتفرج عن هذه الأشياء الغريبة، بعد أن مر من الزمن مقدار لم أحسه ولكني أدركته حين وجدتني وحيدا وسط موظفي الجمارك، وقد أدرك المسافرون صالة الإنتظار دوني
صعدت زفرات حرى وأنا أرثى لواقع الحال، حالي وحال هؤلاء المسحوقين الذين يعيشون على أبواب الحضارة ولا يجرؤون على إجتيازه، وجرجرت خطواتى قاصدا الصالة، وعند المدخل فوجئت بأن أمامي صورة حقيقية أخرى لكامل معنى الفوضى ومرادف التخلف، وعدم النظام واللامبالاة، فلسؤ حظي كان المكان على ضيقه، غير مقتصر محتواه على ركاب الطائرة التي سأقلع على متنها، بل يبدو أن هنالك رحلة أخرى، وقد تأخرت عن موعد إقلاعها، كما هي طبيعة الحال بمطار الخرطوم الدولي، وقد جلس المسافرون عليها على جل المقاعد، وأنا أقول مجازا أنهم قد جلسوا، فالواقع أنهم قد تكدسوا وتراكموا، وسط حقائب كبيرة وفوق زكائب ضخمة وبين أمتعة كثيرة ومهولة
...........................................................................
خلاصة القول أنى وجدت لنفسي مكانا وسط جمع من السودانيين، فالرحلة الأخرى كانت ستقل غيرهم، وكان هؤلاء يشتركون فى حديث يتجاذبون أطرافه، لم أحاول الاشتراك فيه، بل أخرجت كتابا عن تشغيلات الحاسب الآلي، كنت ادخرته لمثل هذه اللحظات وطفقت أشغل نفسي به عن الضجة الثائرة حولي فى لا شيء، وعن الانتظار غير معروف الأمد
استغرقت فى قراءة ما بيدي حتى قطع إتصالي بالكتاب ضجيج وهياج وهرج، فرفعت رأسي مستطلعا، وإذا بجميع ركاب الرحلة المتأخرة قد هرعوا إلى حاجياتهم فحملت منها رؤوسهم ما حملت وتعلقت على الأكتاف ما تعلقت وتشبثت الأيدي بالكثير المتبقي بينما بعضه يتم جره جرا، ثم أخذوا يتدافعون نحو المخرج الضيق المؤدي إلى الطائرة وهم يصخبون ويتمايلون ويتصايحون حتى طغت أصواتهم وزعيقهم على ما عداها من أصوات فى تلك الصالة المغلقة، وقد فعل رجع الصدى بأذني فعلا شنيعا، وطفقت أراقب خروجهم بينما الضجة تتلاشى وتضمحل بتناقص عددهم حتى إستقرت على همهمات ودمدمات تصدر عن مواطني الذين أخذ النعاس أغلبهم، فرجعت لكتابي ولسان حالي يرثى لكل الشعوب المسحوقة، وأنا منهم، وهى تحمل أسباب تخلفها فى حلها وترحالها
وأنا في ذلك إذا بشخص يجلس بجانبي، وقد خلا من المقاعد أكثرها، ويبدأ بعد إقرائي السلام، الحديث معي وأنا عنه راغب، إلا أنه أخبرني في مفتتح حديثه أنه كان يراقبني منذ فترة خلت وقد ود لقائي والتعرف علي حين رآني أنعزل عن مركز الهرج وأقرأ شيئا عن الحاسب الآلي، فله به إلمام وإهتمام، فوجدت نفسي قد إنجذبت للحديث إليه، وعلى أسوأ الافتراضات فلن يكون موضوع حديثنا ما كان مطروقا من قبل الآخرين
إستغرقنا الحديث وتفرعت بنا دروبه وتشعبت، حتى نودي على الركاب للصعود للطائرة للإقلاع فكنا آخر من يدلف إلى طائرة الخطوط الجوية السودانية من طراز بوينج 707، وحديثنا بعد متصل، والوقت يشير إلى ربع الساعة قبل الواحدة من صبيحة ثاني أيام شهر أغسطس فى عام 1990م
استغرقت فى قراءة ما بيدي حتى قطع إتصالي بالكتاب ضجيج وهياج وهرج، فرفعت رأسي مستطلعا، وإذا بجميع ركاب الرحلة المتأخرة قد هرعوا إلى حاجياتهم فحملت منها رؤوسهم ما حملت وتعلقت على الأكتاف ما تعلقت وتشبثت الأيدي بالكثير المتبقي بينما بعضه يتم جره جرا، ثم أخذوا يتدافعون نحو المخرج الضيق المؤدي إلى الطائرة وهم يصخبون ويتمايلون ويتصايحون حتى طغت أصواتهم وزعيقهم على ما عداها من أصوات فى تلك الصالة المغلقة، وقد فعل رجع الصدى بأذني فعلا شنيعا، وطفقت أراقب خروجهم بينما الضجة تتلاشى وتضمحل بتناقص عددهم حتى إستقرت على همهمات ودمدمات تصدر عن مواطني الذين أخذ النعاس أغلبهم، فرجعت لكتابي ولسان حالي يرثى لكل الشعوب المسحوقة، وأنا منهم، وهى تحمل أسباب تخلفها فى حلها وترحالها
وأنا في ذلك إذا بشخص يجلس بجانبي، وقد خلا من المقاعد أكثرها، ويبدأ بعد إقرائي السلام، الحديث معي وأنا عنه راغب، إلا أنه أخبرني في مفتتح حديثه أنه كان يراقبني منذ فترة خلت وقد ود لقائي والتعرف علي حين رآني أنعزل عن مركز الهرج وأقرأ شيئا عن الحاسب الآلي، فله به إلمام وإهتمام، فوجدت نفسي قد إنجذبت للحديث إليه، وعلى أسوأ الافتراضات فلن يكون موضوع حديثنا ما كان مطروقا من قبل الآخرين
إستغرقنا الحديث وتفرعت بنا دروبه وتشعبت، حتى نودي على الركاب للصعود للطائرة للإقلاع فكنا آخر من يدلف إلى طائرة الخطوط الجوية السودانية من طراز بوينج 707، وحديثنا بعد متصل، والوقت يشير إلى ربع الساعة قبل الواحدة من صبيحة ثاني أيام شهر أغسطس فى عام 1990م
...........................................................................
...........................................................................
هاشم خوجلي
سبتمبر 1990م
...........................................................................
هاشم خوجلي
سبتمبر 1990م
الموسيقى السودانية
الجزء الثاني
الجزء الثاني
الموسيقى السودانية
هل تقودنا محاولات العولمة للتدمير؟
حول محاولات التحديث والعولمة للموسيقى السودانية
هاشم خوجلي
الجزء الثاني
السلم السوداني، خماسي أم سباعي
تحدثت إليكم قبلا عن المحاولات لعولمة موسيقانا ورفض كياننا وأساسنا السوداني لذلك، وتطرقنا معا إلى أن السبب الرئيسي هو أن الموسيقى السودانية مرتبطة بموروثاتنا وهويتنا، وإلى النكهة الخاصة التي تميزها، وأنها لذلك ترفض ما هو دخيل عليها وتلفظه، ولو بعد حين، وتحدثنا عن المستمع المغلوب على أمره بما يفرض عليه من حثالة
سأواصل الحديث عن الموضوع بأسلوب مبسط يفهمه كل متلق، وذلك للحفاظ على حقوق المستمع العادي المسلوبة، لذا سأخصص الحديث عن السلم الخماسي والسلم السباعي، والفهم الخاطئ عن ما يدعي البعض بنقص السلم الخماسي واكتمال السلم السباعي، ثم سأتطرق للسلم الموسيقي الغربي والسلم الموسيقي الشرقي ومم يتكونان وما هو إختلاف السلم الشرقي عن الغربي بشكل أساسي وبسيط
أولا وددت أن أزيل بعض الفهم الخاطئ حول ما يدعي بعض الموسيقيين جهلا بأن السلم الخماسي ينقص نغمتين عن السلم السباعي، فليس هنالك ما يحملني على الموافقة على هذا الطرح، وما يشيرون إليه هو في الحقيقة إستخدامنا لخمس نغمات من مجموع السبع المكونة للسلم الموسيقي الغربي، وهو يحتوي في داخله على سلمنا المسمى بالخماسي، ونحن نستخدم خمس نغمات تتنوع وتتباين حسب المنطقة واللحن، وحين نغطي جميع مناطق السودان نكون قد استخدمنا كل نغمات السلم الغربي، خمسا قد تختلف في كل منطقة بل في كل لحن، ومازلنا لم نخرج عن إطار سلمنا الذي تعارفنا عليه، وبذا لا يكون السلم الخماسي ناقصا، بل هو إنتقائي في استخدام النغمات
أما السلم الموسيقي في مجمله فيتكون من إثنتي عشرة نغمة، سبعة زائد خمسة، تتوزع على مدار كامل وتتفاوت درجاتها حسب بعدها ومسافاتها عن بعضها، وتفرعاته كثيرة ومتشابكة ليس الحديث عنها هنا هدفنا. ويختلف السلم الغربي عن الشرقي بأن الأخير له إضافات سميت بربع النغمة، أو ربع التون، وهي ما يعطيه الميزة الواضحة التي تجعله شرقيا أو بتسمية أدق، عربيا، وهي نفسها، أي ربع التون، ما يجعلنا ننفر منه ولا نستسيغه إلا من شذ وندر، والشاذ لا يقاس به
أما سلمنا السوداني فهو متنوع متباين تحكمة مناطق السودان الجغرافية الممتدة وإرثها المرتبط بها، ولكنه يلتقي في استخدامه الأساسي واعتماده الكلي على النغمات الخمس التي تجيز تسميته سلما خماسيا، وهو رغم كل هذا يستند في مطلقه على استنباط نغماته من السلم الموسيقي الغربي ذي السبع نغمات، أو الإثني عشر نغمة، بإضافة أنصاف النغمات الموجودة فيه ضمنا، ونحن نتداول من هذه النغمات خمسا قد نزيد عليها واحدة أحيانا، وقد نكملها سبعا أحيانا أخرى، حسب المنطقة الجغرافية المعنية، والجميل في الأمر أن ذلك يتم بسلاسة، ودون أن ننغمس مطلقا في السلم السباعي، ودون أن يشعر المستمع أن اللحن يحتوي على النغمات السبع كلها
نعلم جميعا أن أغانينا وموسيقانا السودانية تتنوع تبعا لمناطق السودان الجغرافية الممتدة، ذات الثقافات والعادات المتباينة، ورغم استنادها في مطلقها على السلم الموسيقي الخماسي، إلا أننا نتميز على الغربيين عموما، ونشترك في ذلك مع شعوب شرق آسيا بالذات، بأننا نتناول من السلم ذي السبع نغمات أصلا، خمس نغمات فقط، ننوعها ونحورها حسب الحاجة، وقد نزيد عليها حينا بعد حين واحدة أو إثنتين من النغمات السبع الأصلية أو الخمس الإضافية (الأنصاف)، أما النوعان من الإضافة وعدمها فيسميان لدى أهل علم الموسيقى بإضافة نصف النغمة
سأواصل الحديث عن الموضوع بأسلوب مبسط يفهمه كل متلق، وذلك للحفاظ على حقوق المستمع العادي المسلوبة، لذا سأخصص الحديث عن السلم الخماسي والسلم السباعي، والفهم الخاطئ عن ما يدعي البعض بنقص السلم الخماسي واكتمال السلم السباعي، ثم سأتطرق للسلم الموسيقي الغربي والسلم الموسيقي الشرقي ومم يتكونان وما هو إختلاف السلم الشرقي عن الغربي بشكل أساسي وبسيط
أولا وددت أن أزيل بعض الفهم الخاطئ حول ما يدعي بعض الموسيقيين جهلا بأن السلم الخماسي ينقص نغمتين عن السلم السباعي، فليس هنالك ما يحملني على الموافقة على هذا الطرح، وما يشيرون إليه هو في الحقيقة إستخدامنا لخمس نغمات من مجموع السبع المكونة للسلم الموسيقي الغربي، وهو يحتوي في داخله على سلمنا المسمى بالخماسي، ونحن نستخدم خمس نغمات تتنوع وتتباين حسب المنطقة واللحن، وحين نغطي جميع مناطق السودان نكون قد استخدمنا كل نغمات السلم الغربي، خمسا قد تختلف في كل منطقة بل في كل لحن، ومازلنا لم نخرج عن إطار سلمنا الذي تعارفنا عليه، وبذا لا يكون السلم الخماسي ناقصا، بل هو إنتقائي في استخدام النغمات
أما السلم الموسيقي في مجمله فيتكون من إثنتي عشرة نغمة، سبعة زائد خمسة، تتوزع على مدار كامل وتتفاوت درجاتها حسب بعدها ومسافاتها عن بعضها، وتفرعاته كثيرة ومتشابكة ليس الحديث عنها هنا هدفنا. ويختلف السلم الغربي عن الشرقي بأن الأخير له إضافات سميت بربع النغمة، أو ربع التون، وهي ما يعطيه الميزة الواضحة التي تجعله شرقيا أو بتسمية أدق، عربيا، وهي نفسها، أي ربع التون، ما يجعلنا ننفر منه ولا نستسيغه إلا من شذ وندر، والشاذ لا يقاس به
أما سلمنا السوداني فهو متنوع متباين تحكمة مناطق السودان الجغرافية الممتدة وإرثها المرتبط بها، ولكنه يلتقي في استخدامه الأساسي واعتماده الكلي على النغمات الخمس التي تجيز تسميته سلما خماسيا، وهو رغم كل هذا يستند في مطلقه على استنباط نغماته من السلم الموسيقي الغربي ذي السبع نغمات، أو الإثني عشر نغمة، بإضافة أنصاف النغمات الموجودة فيه ضمنا، ونحن نتداول من هذه النغمات خمسا قد نزيد عليها واحدة أحيانا، وقد نكملها سبعا أحيانا أخرى، حسب المنطقة الجغرافية المعنية، والجميل في الأمر أن ذلك يتم بسلاسة، ودون أن ننغمس مطلقا في السلم السباعي، ودون أن يشعر المستمع أن اللحن يحتوي على النغمات السبع كلها
نعلم جميعا أن أغانينا وموسيقانا السودانية تتنوع تبعا لمناطق السودان الجغرافية الممتدة، ذات الثقافات والعادات المتباينة، ورغم استنادها في مطلقها على السلم الموسيقي الخماسي، إلا أننا نتميز على الغربيين عموما، ونشترك في ذلك مع شعوب شرق آسيا بالذات، بأننا نتناول من السلم ذي السبع نغمات أصلا، خمس نغمات فقط، ننوعها ونحورها حسب الحاجة، وقد نزيد عليها حينا بعد حين واحدة أو إثنتين من النغمات السبع الأصلية أو الخمس الإضافية (الأنصاف)، أما النوعان من الإضافة وعدمها فيسميان لدى أهل علم الموسيقى بإضافة نصف النغمة
anhemitonic ودون إضافة نصف النغمة آنهيميتونيك
|
هيميتونيك hemitonic
|
تحدد المنطقة الجغرافية التي ينتمي لها اللحن، نوعية النغمات المستخدمة بشكل قاطع، إذ في شمال السودان تلتزم الألحان بالنغمات الخمس بصورة صارمة جدا ولا تحيد عنها إلا نادرا، أما في جنوبه، ويا لوعتي على جنوبه، فيضيفون نغمة سادسة بصورة مكثفة تعطي طابعا مميزا لألحان مناطق جنوب السودان، في حين يستخدم السلم الموسيقي الغربي على إطلاقه وبكل نغماته، في غرب السودان، بالضبط مثل ما يستخدم في دول شمال المدار، ولن يجد أي باحث في الموسيقي أي فرق، من ناحية شكلية أو أسس موسيقية أو تركيبات لحنية، بين موسيقى "لودفيج فان بتهوفن"، مع كل صيته واشتهاره، وموسيقى "إبراهيم موسى أبا" الذي لا يعرفه من السودانيين إلا القليل، كمثال، إذ كلاهما يستخدم نفس النغمات ويتنقل بين نفس الدرجات ويطوع لخدمته نفس الإثني عشر نغمة الموزعة على المدرج الموسيقي، ورغم ذلك تظل نكهة اللحن السوداني الأصيل تعبق موسيقى "إبراهيم موسى أبا" وتفوح شذى، وتبرز سودانيته الصميمة
ويتشارك معنا في استخدامنا المميز للخمس نغمات، جميع دول شرق آسيا مثل الصين والهند والباكستان، وأغلب أجزاء أستراليا وكل أمريكا اللاتينية، مما يجعل استخدام النغمات الخمس هو الطاغي الأعم على مدار العالم، وقد تركنا السلم الغربي لبعض العالم الأوروبي والشمال الأمريكي وكندا، أما النذر اليسير المتمثل في الدول العربية فقط فهو للسلم الشرقي أو العربي، ويطغى على الغالب الأعم من قارة إفريقيا إستخدامهم للسلم ذي الخمس نغمات الذي يستخدمه السودانيون، وهذا يبرر الإنتشار الواسع للأغاني والموسيقى السودانية خلال كل ما هو شرقنا وغربنا وجنوبنا، جغرافيا، وهو عموم إفريقيا عدا المنتمين للعرب في الشمال
هذا وللحديث تتمة
الموسيقى السودانية
الجزء الثالث
الجزء الثالث
الموسيقى السودانية
هل تقودنا محاولات العولمة للتدمير؟
حول محاولات التحديث والعولمة للموسيقى السودانية
هاشم خوجلي
الجزء الثالث
السلم الموسيقي
الموسيقى عبارة عن مجموعة أصوات متجانسة ومتوافقة، تسمعها الأذن فيتقبلها الشخص وتطرب لها النفس ، أما السلم الموسيقي فهو تسلسل صوتي للأنغام من الأساس ويتكرر إلى حدود لا نهائية ولكنا نأخذ منه فقط ما تدركه قدرة آذاننا على السمع، وهي محدودة جدا، ونكون منه ما نسميه موسيقى أو لحنا، وهو يتكون من سبع نغمات بينها مسافات صوتية متفاوتة، فمن نصف المسافة إلى مسافة واحدة، حتى تكون في مجموعها إثنتا عشر صوتا
وباختصار لكل من يتساءل، فالسلم الموسيقي هو عبارة عن مجموعة من الأصوات الموسيقية المتجانسة والمتوافقة تندرج على تسلسل صوتي يبدأ من ما يسمى أساس السلم حتى يصل آخره ثم يتكرر بنسق أعلى وهكذا، وهي تتكون من سبع نغمات على مسافات صوتية يتفاوت البعد بينها من نصف المسافة إلى مسافة كاملة، على النسق التالي بشكل حسابي، وبذا يكون مجموعها إثنتا عشر صوتا
وباختصار لكل من يتساءل، فالسلم الموسيقي هو عبارة عن مجموعة من الأصوات الموسيقية المتجانسة والمتوافقة تندرج على تسلسل صوتي يبدأ من ما يسمى أساس السلم حتى يصل آخره ثم يتكرر بنسق أعلى وهكذا، وهي تتكون من سبع نغمات على مسافات صوتية يتفاوت البعد بينها من نصف المسافة إلى مسافة كاملة، على النسق التالي بشكل حسابي، وبذا يكون مجموعها إثنتا عشر صوتا
نسق السلم الموسيقي الصاعد
الشكل
#
يعني الصعود نصف درجة
1 |
2 |
3 |
4 |
5 |
6 |
7 |
8 |
9 |
10 |
11 |
12 |
do |
do# |
re |
re# |
mi |
fa |
fa# |
sol |
sol# |
la |
la# |
ce |
نسق السلم الموسيقي الهابط
الشكل
b
يعني الهبوط نصف درجة
12 |
11 |
10 |
9 |
8 |
7 |
6 |
5 |
4 |
3 |
2 |
1 |
ce |
ceb |
la |
lab |
sol |
solb |
fa |
mi |
meb |
re |
reb |
do |
أما لكي أشرح النسق والتسلسل في تكوين السلم فلتتخيل أن أمامك سلما طويلا للتسلق، وليكن سلما خشبيا كسلم البنائين، ولكنه يتكون من عدد لا تحصيه العين من الدرجات في كلا الإتجاهين، للأعلى وللأسفل، وكل درجاته مرقمة من واحد إلى سبعة، ثم بتكرار نفس الترقيم حتى تختفي درجاته في عنان السماء أو في باطن الأرض، ولنتخيل أنك تود الصعود عليه، فالدرجة الأقرب للأرض هي درجة البداية، أو أساس السلم، مهما كان رقمها، وكلما رقيت درجة على سلم البنائين هذا، صعدت لنغمة أعلى على السلم الموسيقي، وحين وصولك للرقم سبعة من المجموعة الأولى لا يأتيك الرقم ثمانية بعده، بل يبدأ الترقيم من جديد، من واحد إلى سبعة للمجوعة الثانية ثم إلى سبعة للمجموعة الثالثة وهكذا، ويصح نفس هذا النسق عند الإتجاه للأسفل، ولكن بتسلسل مقلوب، منتهى التشابه، ولكن الشيء المختلف هو مدى بعد المتسلق عن درجة الأساس التي بدأ منها، والمجموعات المتكررة هي ما يسمى بـالأوكتاف
أما المدرج الموسيقى فهو المجال اللوحي الذي يمكن الموسيقي من كتابة أو قراءة الموسيقى، وهو يمكن الكاتب من وضع كل العلامات الموسيقية والإشارات والإرشادات التي تفسر وتحدد ما يريده مؤلف المقطوعة أو اللحن، في مسار مقطوعته أو لحنه، وهو بذلك يكون بمثابة مرشد دقيق يشرح فيه المؤلف كل تفاصيل مقطوعته الموسيقية، لمن يود ترجمتها صوتيا وآليا، والأساس فيه الأسطر الخمس ذات المسافات الأربع، ولديه إمتدادات علوية وسفلية، حسب درجة الصعود أو الهبوط على السلم
ولشرح "المازورة" سأتحدث عن الموسيقى اللغة، فاللغة المكتوبة تتكون من مجموعة من الحروف التي ننتقي ونجمع بعضها معا لنكون الكلمات، ثم نجمع الكلمات في أنساق وتراتيب لتكوين الجمل، التي بدورها تعطينا فقرات لموضوع ما يكتمل ليكون شيئا مكتوبا ومقرؤا ومفهوما. هذه بالضبط فكرة كتابة الموسيقى، نجمع حروفا موسيقية نكون منها مازورة نشكلها بما نود من فتحات وضمات وشدات، ونضمها لمازورة أخرى حتى تكون جملة فسطرا، إلى أن تكتمل القطعة، وكلها تكتب على المدرج الموسيقي
أما الإيقاع فهو الهيكل العظمي الذي تقوم عليه أي قطعة موسيقية، ولا تكون موسيقى إلا وأساسها الإيقاع، حتى السيمفونيات والموسيقى الغربية الكلاسيكية، إنما تبنى أساسا على الإيقاع، الذي لا يكون بالضرورة ظاهرا أو مسموعا، ولكن الإحساس به بوضوح وجلاء والتقيد الدقيق به هو الأساس، والإنسان مفطور على الإيقاع، حتى بصورة لا إرادية، فنبض القلب يحكمه إيقاع والتنفس ورفة رمش العين كلها لها إيقاع، وكل وظائف الجسد الحيوية تعمل وفق إيقاع منتظم
ومازال للحديث تتمة
ومازال للحديث تتمة
الموسيقى السودانية
الجزء الرابع
الجزء الرابع
الموسيقى السودانية
هل تقودنا محاولات العولمة للتدمير؟
حول محاولات التحديث والعولمة للموسيقى السودانية
هاشم خوجلي
الجزء الرابع
هل وطننا بلا هوية
هويتنا في موسيقانا
خلصنا سابقا إلى أن السلم الموسيقي الذي يستخدمه السودانيون في موسيقاهم هو السائد في الأغلب والأعم من العالم، ورغم ذلك ظل كثير من الحادبين يطرحون تساؤلا عن أسباب عدم انتشار موسيقانا في العالم العربي القريب منا، ولعلي أخلص لإجابة غاية في البساطة، رغم رفض العموم لها، ولن أطيل فيها كي لا تقود الموضوع لغير ما خص له، والإجابة هي أن السودانيين ليسوا عربا والسودان ليس دولة عربية، رغم ما يدعيه بعضهم، بل هم زنوجا أفارقة وفراعنة نوبيين تعلموا اللغة العربية فبزوا الأعراب وفاقوهم علما وتحدثا بها، ولهجاتنا العامية الدارجة تشهد على ذلك، ومن إدعى من العرب أن الكلمات في أغانينا غير مفهومة، وهم غالبا يفعلون، فإني أردها لعدم تمكنهم، وهم العرب دوننا، من فهم اللغة العربية وتناولها كما فعلنا وأجدنا، وهو فضل نمتاز به أهل السودان على عموم الناطقين بالعربية. إذن فتفرد موسيقانا عن موسيقى العرب يعود إلى أننا لسنا عربا، فالموسيقى إحساس وتذوق ينتقل مع الجينات التي نتوارثها عن أسلافنا، ويحفزها تراثنا وموروثاتنا، فإن إختلت إختل التراث وتلاشى، وإن بادت أخذت معها هويتنا وروحنا وتميزنا، وإن تلاشى تراثنا واندثر، ماتت هويتنا وتفرق كمنا بين الأمم دون أن يكون لنا من يندب حظنا، وهذه البدايات تلوح جلية في الأفق، فقد تم غزونا بالثقافات الغريبة، من عربية وغربية، وبدأ نتاج الغزو يطغى على موسيقانا وأغنياتنا
خلصنا سابقا إلى أن السلم الموسيقي الذي يستخدمه السودانيون في موسيقاهم هو السائد في الأغلب والأعم من العالم، ورغم ذلك ظل كثير من الحادبين يطرحون تساؤلا عن أسباب عدم انتشار موسيقانا في العالم العربي القريب منا، ولعلي أخلص لإجابة غاية في البساطة، رغم رفض العموم لها، ولن أطيل فيها كي لا تقود الموضوع لغير ما خص له، والإجابة هي أن السودانيين ليسوا عربا والسودان ليس دولة عربية، رغم ما يدعيه بعضهم، بل هم زنوجا أفارقة وفراعنة نوبيين تعلموا اللغة العربية فبزوا الأعراب وفاقوهم علما وتحدثا بها، ولهجاتنا العامية الدارجة تشهد على ذلك، ومن إدعى من العرب أن الكلمات في أغانينا غير مفهومة، وهم غالبا يفعلون، فإني أردها لعدم تمكنهم، وهم العرب دوننا، من فهم اللغة العربية وتناولها كما فعلنا وأجدنا، وهو فضل نمتاز به أهل السودان على عموم الناطقين بالعربية. إذن فتفرد موسيقانا عن موسيقى العرب يعود إلى أننا لسنا عربا، فالموسيقى إحساس وتذوق ينتقل مع الجينات التي نتوارثها عن أسلافنا، ويحفزها تراثنا وموروثاتنا، فإن إختلت إختل التراث وتلاشى، وإن بادت أخذت معها هويتنا وروحنا وتميزنا، وإن تلاشى تراثنا واندثر، ماتت هويتنا وتفرق كمنا بين الأمم دون أن يكون لنا من يندب حظنا، وهذه البدايات تلوح جلية في الأفق، فقد تم غزونا بالثقافات الغريبة، من عربية وغربية، وبدأ نتاج الغزو يطغى على موسيقانا وأغنياتنا
نحن أهملنا
مابال الموسيقى الصينية، مثلا، غير منتشرة بغير مناطقها، والصينيون يمثلون قرابة تسعة عشر بالمائة من سكان العالم، أما كان من الأحرى انتشار موسيقاهم لتعم العالم وتجتاحه بدلا من المد الغربي الذي يغمرنا؟! أنا أرجع ذلك لإنغلاق الصين على دواخلها حينا من الدهر، أما الآن فهم يحثون الخطى لتعريف العالم بثقافاتهم، ويربون نشأهم على تراثهم وما ترك آباؤهم. أما عنا فقد اجتاحنا الأقوى، ففرض علينا المستعمر علمه وثقافته وطرح حضارة لا ننتمي لها ولا تشبهنا، وحارب فينا كل ما هو أصيل يعبر عنا وعن تراث أجدادنا وماضينا التليد، ثم زدنا من عندنا أن نعتنا بالجهل والتخلف كل من رفض هذه الثقافات الدخيلة أو حاول الوقوف في وجهها رفضا أو محاربة، ووصفنا بالعلم والتطور من لبس ثوبهم وجرى مجراهم، ولكنه لم يجد ضالته حين احتضنا أصولنا ومعها تعلمنا ما عرضه علينا، أما الآن فها نحن نرخي قبضتنا على أصولنا ونبحث عن ثقافات الآخرين، ولم يختلف المقيم بأرضه عن من تغرب عن وطنه منا، وأعني من عاش حينا في دول الخليج العربي، فتشبع بثقافاتهم المجلوبة، أو هاجر لدول الغرب المتسلط، وحاكي الغربيين، ولم ينج من هذا الطوفان أمي أو متعلم، فكلنا فيه سواء، إذ لم يلتفت لتربية أطفاله تربية وطنية سديدة أي منا، فمن فهمنا الخاطئ إعتبرنا الموسيقى والغناء وكافة الفنون من توافه الأمور وسقط المتاع، ذات الأهمية الدنيا في حياة أطفالنا وشبابنا، فنشأوا لا يعرفون غير الأغاني العربية والخليجية والألحان الغربية الدخيلة علينا والغريبة على مجتمعنا، التي لا تربطنا بها أي وشائج، ولا تعبر عن تاريخنا ولا تحمل داخلها تراثنا، وأهملنا تعليمهم سير وحياة من بنوا صروحنا وحملوا همومنا، فكبر صغارنا وتاريخ السودان وتراثه يكاد لا يعني لهم شيئا، إلا ما يفرض عليهم في بعض المناهج الدراسية الفقيرة من الوطنية الخالية من معاني الإنتماء، وليس ذنبهم ولكن ذنب جيلنا الذي أهمل فيهم وهم صغار يستوعبون ويتشربون المعرفة، وها نحن نعيش الآن مغبة ما أهملنا، ونجني حصاد ما زرعنا
مابال الموسيقى الصينية، مثلا، غير منتشرة بغير مناطقها، والصينيون يمثلون قرابة تسعة عشر بالمائة من سكان العالم، أما كان من الأحرى انتشار موسيقاهم لتعم العالم وتجتاحه بدلا من المد الغربي الذي يغمرنا؟! أنا أرجع ذلك لإنغلاق الصين على دواخلها حينا من الدهر، أما الآن فهم يحثون الخطى لتعريف العالم بثقافاتهم، ويربون نشأهم على تراثهم وما ترك آباؤهم. أما عنا فقد اجتاحنا الأقوى، ففرض علينا المستعمر علمه وثقافته وطرح حضارة لا ننتمي لها ولا تشبهنا، وحارب فينا كل ما هو أصيل يعبر عنا وعن تراث أجدادنا وماضينا التليد، ثم زدنا من عندنا أن نعتنا بالجهل والتخلف كل من رفض هذه الثقافات الدخيلة أو حاول الوقوف في وجهها رفضا أو محاربة، ووصفنا بالعلم والتطور من لبس ثوبهم وجرى مجراهم، ولكنه لم يجد ضالته حين احتضنا أصولنا ومعها تعلمنا ما عرضه علينا، أما الآن فها نحن نرخي قبضتنا على أصولنا ونبحث عن ثقافات الآخرين، ولم يختلف المقيم بأرضه عن من تغرب عن وطنه منا، وأعني من عاش حينا في دول الخليج العربي، فتشبع بثقافاتهم المجلوبة، أو هاجر لدول الغرب المتسلط، وحاكي الغربيين، ولم ينج من هذا الطوفان أمي أو متعلم، فكلنا فيه سواء، إذ لم يلتفت لتربية أطفاله تربية وطنية سديدة أي منا، فمن فهمنا الخاطئ إعتبرنا الموسيقى والغناء وكافة الفنون من توافه الأمور وسقط المتاع، ذات الأهمية الدنيا في حياة أطفالنا وشبابنا، فنشأوا لا يعرفون غير الأغاني العربية والخليجية والألحان الغربية الدخيلة علينا والغريبة على مجتمعنا، التي لا تربطنا بها أي وشائج، ولا تعبر عن تاريخنا ولا تحمل داخلها تراثنا، وأهملنا تعليمهم سير وحياة من بنوا صروحنا وحملوا همومنا، فكبر صغارنا وتاريخ السودان وتراثه يكاد لا يعني لهم شيئا، إلا ما يفرض عليهم في بعض المناهج الدراسية الفقيرة من الوطنية الخالية من معاني الإنتماء، وليس ذنبهم ولكن ذنب جيلنا الذي أهمل فيهم وهم صغار يستوعبون ويتشربون المعرفة، وها نحن نعيش الآن مغبة ما أهملنا، ونجني حصاد ما زرعنا
تقليد الغناء الخليجي
من مغبات إهمالنا لتربية النشء تربية وطنية سديدة إنتشار ظاهرة التقليد الأعمى والغناء بالألحان بل وباللهجات العامية العربية والخليجية، وهو ما نتج عن إهمال الآباء والأمهات السودانيين المقيمين في دول الخليج، ونسيان أهلهم وانشغالهم عنهم بسبل العيش، فحين يعود أبناؤهم للسودان شبابا ومراهقين يكونوا قد تشبعوا بكل الروح والشخصية العربية الخليجية، وضاع أمر تربيتهم بأساسيات الوطنية، وتم نسيانه كليا، وذلك لظنهم أن الموسيقى والفنون قد تلهي أبناءهم عن التحصيل والعلم، ونسوا أن يزرعوا فيهم صلب التراث القويم الذي تحدر إلينا من آبائنا وأجدادنا، أما من كان أهلهم مقتدرون فاقتنى آلة موسيقية تسهل عليهم نقل هذا اللون من الغناء الذي لا ينتمي لنا ولا نمت له بصله، فقد ساهم وأهلوه بدق مسمار لولبي في نعش ثقافتنا وفنوننا وتراثنا التليد وقادوه خطوة نحو الفناء المحتوم، وما أصدق الشارع السوداني حين أطلق عليهم بعفوية ودقة صفة شهادة عربية، كناية عن البعد عن السودان والتربية السودانية الصميمة التي تدين للشارع والجار والحي بدور مهم فيها
من مغبات إهمالنا لتربية النشء تربية وطنية سديدة إنتشار ظاهرة التقليد الأعمى والغناء بالألحان بل وباللهجات العامية العربية والخليجية، وهو ما نتج عن إهمال الآباء والأمهات السودانيين المقيمين في دول الخليج، ونسيان أهلهم وانشغالهم عنهم بسبل العيش، فحين يعود أبناؤهم للسودان شبابا ومراهقين يكونوا قد تشبعوا بكل الروح والشخصية العربية الخليجية، وضاع أمر تربيتهم بأساسيات الوطنية، وتم نسيانه كليا، وذلك لظنهم أن الموسيقى والفنون قد تلهي أبناءهم عن التحصيل والعلم، ونسوا أن يزرعوا فيهم صلب التراث القويم الذي تحدر إلينا من آبائنا وأجدادنا، أما من كان أهلهم مقتدرون فاقتنى آلة موسيقية تسهل عليهم نقل هذا اللون من الغناء الذي لا ينتمي لنا ولا نمت له بصله، فقد ساهم وأهلوه بدق مسمار لولبي في نعش ثقافتنا وفنوننا وتراثنا التليد وقادوه خطوة نحو الفناء المحتوم، وما أصدق الشارع السوداني حين أطلق عليهم بعفوية ودقة صفة شهادة عربية، كناية عن البعد عن السودان والتربية السودانية الصميمة التي تدين للشارع والجار والحي بدور مهم فيها
غناء الراب
واحدة من كبرى الأثافي ما أسماه هؤلاء المستقرون الشباب الجدد غناء الراب أو الهيب هوب، ولمن يتشدقون بأنهم يغنون راب، فأنا أتبرع لهم بهذه المعلومة عن الراب، حتى لا يتعاملوا مع شيء لا يعلمون أصله ولا ماهيته، وبالذات حتى لا يظنوا أنه فن سوداني، فهو ليس سودانيا ولا عربيا ولا حتى إفريقيا، إنما أصل الراب أهازيج للشكوى من سوء الحال، بدأت في حقبة السبعينات حين كان المستوطنون الجامايكيون الفقراء المضطهدون من قبل الأمريكان، يشكون حالهم وسؤ أوضاعهم لبعضهم بكلمات إيقاعية موقعة تتخذ شكل لحن بسيط جدا، ولكنها لا ترقى إلى أن تسمى غناء، وكانوا يخفون ما يقولون لتكون الكلمات غير مفهومة إلا لهم، أي في شكل همهمات متكررة، خوفا من بطش الأمريكان إن فهموا ما يقال، تلك حقيقة وأصل الراب، إذن لماذا نحاكيهم وقد فرضت عليهم ظروف حياتهم البائسة أن يشكوا حالهم في العلن المخفي، خوفا ورهبة من البطش والعقاب
واحدة من كبرى الأثافي ما أسماه هؤلاء المستقرون الشباب الجدد غناء الراب أو الهيب هوب، ولمن يتشدقون بأنهم يغنون راب، فأنا أتبرع لهم بهذه المعلومة عن الراب، حتى لا يتعاملوا مع شيء لا يعلمون أصله ولا ماهيته، وبالذات حتى لا يظنوا أنه فن سوداني، فهو ليس سودانيا ولا عربيا ولا حتى إفريقيا، إنما أصل الراب أهازيج للشكوى من سوء الحال، بدأت في حقبة السبعينات حين كان المستوطنون الجامايكيون الفقراء المضطهدون من قبل الأمريكان، يشكون حالهم وسؤ أوضاعهم لبعضهم بكلمات إيقاعية موقعة تتخذ شكل لحن بسيط جدا، ولكنها لا ترقى إلى أن تسمى غناء، وكانوا يخفون ما يقولون لتكون الكلمات غير مفهومة إلا لهم، أي في شكل همهمات متكررة، خوفا من بطش الأمريكان إن فهموا ما يقال، تلك حقيقة وأصل الراب، إذن لماذا نحاكيهم وقد فرضت عليهم ظروف حياتهم البائسة أن يشكوا حالهم في العلن المخفي، خوفا ورهبة من البطش والعقاب
إعلام الفضائيات
شاعت وعمت الفضائيات التي لا تهتم بالسودان ولا وطنية السوداني، ولا تهمها الفنون الأصيلة الهادفة البناءة، بقدر اهتمامها بالكسب المادي، ولا تهتم بالفن الراقي المعافى، بل تأتي بمن لها بهم صلة ومعرفة وتقدمه على أنه فنان وموسيقي ذو باع، وكل ما يملك هو أذن صماء لا يسمع بها ما يحدث من ضوضاء، وحوله مرتزقة يلملمون فتات أموال يجود عليهم بها نظير دعمه والهتاف له، وهو أول من يضطهدهم ويحتقرهم، فكل الولاء له مشترى بمال قذر ملوث بدما الفن القتيل
لقد ساهمت الفضائيات بالدور الكبير في نسيان جيلنا الناشيء جذوره وماضيه وتراثه التليد. الأمثلة كثيرة، فالموسيقى شرقية والأغاني غربية، حتى أنهم يتشدقون ملء أفواههم بإتقان الراب السوداني، والسيرة خليجية، وكل هذا يمر تحت أنوفنا ورغمنا دون أن نكترث له، فعلى سبيل المثال، ما بال البرامج وما تقدم محطات التلفاز من مختلف إذاعاتها، تصاحب غالبا بالموسيقى والمقدمات الأجنبية، شرقية وغربية، مالها موسيقانا؟ لماذا لا نصحبها بموسيقى من واقعنا وألحان تصور بيئتنا، ماله غناؤنا ومالها ألحاننا؟ إنهم يظنون أنه التطور والتقدم والعالمية، وهم واهمون، فأنا على يقين أنه جد التخلف والتبعيىة والدونية والإحساس بالصغار. إن أدار أينا مؤشر التلفاز لأي قناة عربية أو غربية من القنوات المنتشرة، ودأب على مشاهدتها طيلة أربع وعشرين ساعة، فأنا أجزم أنه لن يرى ولن يسمع أي شيء سوداني ولا أي نغمة تعود لغير البلد الذي تبث منه القناة، وهنا تكون الدرجة العليا لخلق روح الوطنية، فمن حقنا على القائمين على أمر القنوات، رسميين وغيرهم، ألا يفرضوا علينا رؤيتهم الشخصية المشوشة أو رؤية إداراتهم الرسمية المغشوشة، وإن كانوا يريدوننا أن نسمع ونشاهد أشياء من غير بلدنا، فليتركوا لنا الخيار لندير القناة للبلد الذي نريد، ولا يفرضوا علينا أشياء تسهم في إنقاص إحساسنا بالوطن، حتى يبقى تلفازنا سودانيا صميما وتبقى قنواتنا وطنية بحق، فدور الإعلام دور فعال، إيجابا كان أو سلبا، ووطنيتنا وأجيالنا الناشئة منوط بها لحد كبير دور الإعلام، لذا لابد من صحوة واستفاقة، وإن استدعى الأمر صفعة مؤلمة، فليكن
شاعت وعمت الفضائيات التي لا تهتم بالسودان ولا وطنية السوداني، ولا تهمها الفنون الأصيلة الهادفة البناءة، بقدر اهتمامها بالكسب المادي، ولا تهتم بالفن الراقي المعافى، بل تأتي بمن لها بهم صلة ومعرفة وتقدمه على أنه فنان وموسيقي ذو باع، وكل ما يملك هو أذن صماء لا يسمع بها ما يحدث من ضوضاء، وحوله مرتزقة يلملمون فتات أموال يجود عليهم بها نظير دعمه والهتاف له، وهو أول من يضطهدهم ويحتقرهم، فكل الولاء له مشترى بمال قذر ملوث بدما الفن القتيل
لقد ساهمت الفضائيات بالدور الكبير في نسيان جيلنا الناشيء جذوره وماضيه وتراثه التليد. الأمثلة كثيرة، فالموسيقى شرقية والأغاني غربية، حتى أنهم يتشدقون ملء أفواههم بإتقان الراب السوداني، والسيرة خليجية، وكل هذا يمر تحت أنوفنا ورغمنا دون أن نكترث له، فعلى سبيل المثال، ما بال البرامج وما تقدم محطات التلفاز من مختلف إذاعاتها، تصاحب غالبا بالموسيقى والمقدمات الأجنبية، شرقية وغربية، مالها موسيقانا؟ لماذا لا نصحبها بموسيقى من واقعنا وألحان تصور بيئتنا، ماله غناؤنا ومالها ألحاننا؟ إنهم يظنون أنه التطور والتقدم والعالمية، وهم واهمون، فأنا على يقين أنه جد التخلف والتبعيىة والدونية والإحساس بالصغار. إن أدار أينا مؤشر التلفاز لأي قناة عربية أو غربية من القنوات المنتشرة، ودأب على مشاهدتها طيلة أربع وعشرين ساعة، فأنا أجزم أنه لن يرى ولن يسمع أي شيء سوداني ولا أي نغمة تعود لغير البلد الذي تبث منه القناة، وهنا تكون الدرجة العليا لخلق روح الوطنية، فمن حقنا على القائمين على أمر القنوات، رسميين وغيرهم، ألا يفرضوا علينا رؤيتهم الشخصية المشوشة أو رؤية إداراتهم الرسمية المغشوشة، وإن كانوا يريدوننا أن نسمع ونشاهد أشياء من غير بلدنا، فليتركوا لنا الخيار لندير القناة للبلد الذي نريد، ولا يفرضوا علينا أشياء تسهم في إنقاص إحساسنا بالوطن، حتى يبقى تلفازنا سودانيا صميما وتبقى قنواتنا وطنية بحق، فدور الإعلام دور فعال، إيجابا كان أو سلبا، ووطنيتنا وأجيالنا الناشئة منوط بها لحد كبير دور الإعلام، لذا لابد من صحوة واستفاقة، وإن استدعى الأمر صفعة مؤلمة، فليكن
النقد الفني
صار النقد الفني بلية في حد ذاته، فما يحدث اليوم هو أن الناقد النافذ يتقاضى أجرا جاريا ومعلوما من المغني، وهو من يسمى خطأ بالفنان، كي يكتب عنه، بل يفتعل له المناسبات حتى يتردد اسمه في المحافل والفضاءات الفنية ويذكر كثيرا
إن النقد الحق ينبني على أساسيات لا تتوفر لنقادنا الحاليين، إلا النذر اليسير منهم، كي لا أظلم الصادقين، فالناقد يحمل قلما يبني ويهدم ما شاء له، فيجب إذن أن يكون ملما بدقائق الموضوع الذي يتحدث عنه، إن كان سياسيا فيجب أن يكون ملما بالسياسة مثل أهلها، وإن كان رياضيا فلابد له من معرفة دقائق الرياضة التي يتحدث عنها، وكذا إن كان فنيا موسيقيا فلابد من إلمامه بدقائق الفنون التي يتناولها، فأنا مثلا لا أتقبل نقدا من شخص يقل عني في مجالي الذي أتقنه، إذ كيف له نقد أعمالي، مدحا أوذما، وهو لا يفهم عن موضوع حديثه إلا مثل ما يفهم المتلقي العادي، فما بالك بمن يجندون أقلامهم وألسنتهم لقاء جعالات يتقاضونها. لذا فقد صار النقد الآن من أساسيات البلاء الذي عمنا. أصلحوا نقادنا ينصلح حالنا
صار النقد الفني بلية في حد ذاته، فما يحدث اليوم هو أن الناقد النافذ يتقاضى أجرا جاريا ومعلوما من المغني، وهو من يسمى خطأ بالفنان، كي يكتب عنه، بل يفتعل له المناسبات حتى يتردد اسمه في المحافل والفضاءات الفنية ويذكر كثيرا
إن النقد الحق ينبني على أساسيات لا تتوفر لنقادنا الحاليين، إلا النذر اليسير منهم، كي لا أظلم الصادقين، فالناقد يحمل قلما يبني ويهدم ما شاء له، فيجب إذن أن يكون ملما بدقائق الموضوع الذي يتحدث عنه، إن كان سياسيا فيجب أن يكون ملما بالسياسة مثل أهلها، وإن كان رياضيا فلابد له من معرفة دقائق الرياضة التي يتحدث عنها، وكذا إن كان فنيا موسيقيا فلابد من إلمامه بدقائق الفنون التي يتناولها، فأنا مثلا لا أتقبل نقدا من شخص يقل عني في مجالي الذي أتقنه، إذ كيف له نقد أعمالي، مدحا أوذما، وهو لا يفهم عن موضوع حديثه إلا مثل ما يفهم المتلقي العادي، فما بالك بمن يجندون أقلامهم وألسنتهم لقاء جعالات يتقاضونها. لذا فقد صار النقد الآن من أساسيات البلاء الذي عمنا. أصلحوا نقادنا ينصلح حالنا
هاشم خوجلي
الحب بدأناه
بري المجس
الجمعة 7سبتمبر1973م
بري المجس
الجمعة 7سبتمبر1973م
أشواقي تزداد إلى الضعف
وأعجز عن زجر الأشواق
أكتمها في داخل أعماقي
فتئن من العبء الأعماق
وحنيني قد أوشك يبكيني
أحرام أن أهفو أو أشتاق
أم عدل كتم أحاسيسي
والصدر عليها قد ضاق
عبثا أعيتني الحيل
وأنسدت حولي الآفاق
وأنا في ألمي أتبسم
والدمع يجوب الأحداق
والليل تراخت أجفانه
فازدادت ناري إحراق
مالي للوجد يعذبني
والدمع هتون دفاق
واللوعة تملأ أضلاعي
كيف أحب ولا أشتاق
فالحب كلانا بدأناه
وكأنا أول عشاق
والوله ولجنا أعتابه
وكتبنا بدمانا الميثاق
أحببت وأعياني الحب
يا قلبي مالك خفاق
رحماك بنفسي من شوقي
فحبيبك أيضا مشتاق
وحنينك إن زاد حنينا
فتصبر إن حم فراق
وأعجز عن زجر الأشواق
أكتمها في داخل أعماقي
فتئن من العبء الأعماق
وحنيني قد أوشك يبكيني
أحرام أن أهفو أو أشتاق
أم عدل كتم أحاسيسي
والصدر عليها قد ضاق
عبثا أعيتني الحيل
وأنسدت حولي الآفاق
وأنا في ألمي أتبسم
والدمع يجوب الأحداق
والليل تراخت أجفانه
فازدادت ناري إحراق
مالي للوجد يعذبني
والدمع هتون دفاق
واللوعة تملأ أضلاعي
كيف أحب ولا أشتاق
فالحب كلانا بدأناه
وكأنا أول عشاق
والوله ولجنا أعتابه
وكتبنا بدمانا الميثاق
أحببت وأعياني الحب
يا قلبي مالك خفاق
رحماك بنفسي من شوقي
فحبيبك أيضا مشتاق
وحنينك إن زاد حنينا
فتصبر إن حم فراق
أماني الغربة
بيروت
الجمعة 8مارس1974م
بيروت
الجمعة 8مارس1974م
كتبت هذه القصيدة على مرحلتين
أولا- بيروت 8 مارس 1974م وأنا داخل الطائرة عائد إلى الخرطوم بعد إتمام دورة تدريبية لدى شركة طيران الشرق الأوسط
ثانيا- الرياض 15 نوفمبر 1976م
وهي تجمع بين الجدية والحلمنتيشية
أولا- بيروت 8 مارس 1974م وأنا داخل الطائرة عائد إلى الخرطوم بعد إتمام دورة تدريبية لدى شركة طيران الشرق الأوسط
ثانيا- الرياض 15 نوفمبر 1976م
وهي تجمع بين الجدية والحلمنتيشية
راجع ليك خلاص تاني
يا بلد الغبار والحر
راجع ليك وانا المشتاق
للطين والوسخ أكتر
أصلو يا وطني مين بشتاق
لي غلبك ... منو البقدر
غير شتلا رعيتو صغير
وراعيت ليهو لما كبر
غير غرسا سقيتو هواك
إن ذموك عض ... سعر
منو البشتاق وما فيك شي
ختينا الدوم ... لقينا كتر
بس شان نحن ما واعيين
بدل تفاح زرعنا عشر
متين نعرف البينا
نزيل كربتنا ... نبقى بشر
نشيل أحزانا نفرح يوم
تزول الغمه تتكسر
يا بلد الغبار والحر
راجع ليك وانا المشتاق
للطين والوسخ أكتر
أصلو يا وطني مين بشتاق
لي غلبك ... منو البقدر
غير شتلا رعيتو صغير
وراعيت ليهو لما كبر
غير غرسا سقيتو هواك
إن ذموك عض ... سعر
منو البشتاق وما فيك شي
ختينا الدوم ... لقينا كتر
بس شان نحن ما واعيين
بدل تفاح زرعنا عشر
متين نعرف البينا
نزيل كربتنا ... نبقى بشر
نشيل أحزانا نفرح يوم
تزول الغمه تتكسر
ولا البشتاق محب زيي
بي طيف ستو زازا ... سهر
وقاعد وهو في الغربه
يعب أشواقو لما سكر
وقاعد وهو في الغربه
أمبير صبرو داقي صفر
ويتذكر حنان زولتو
ويحيا معاها أحلى ذكر
بي طيف ستو زازا ... سهر
وقاعد وهو في الغربه
يعب أشواقو لما سكر
وقاعد وهو في الغربه
أمبير صبرو داقي صفر
ويتذكر حنان زولتو
ويحيا معاها أحلى ذكر
ده البشتاق أكيد زولا
عندو حبيبتو منتظرا
تساءل الليل ... نجيماتو
وتعود بسؤالا للقمرا
متين برجع ... متين تلقا
وتبل أشواقا بي نظره
ولما الليل يلم ليلو
وسؤالا يجابو بي حسره
يجيها النوم يغطيها
قبل لي جيتو ما تدرا
ويسوقا معاهو لوحيدا
في دار الغربة ماشي برا
وتمشي معاو تناجيهو
وتصيب أعماقو بي سحرا
تضمو عليها ضمة شوق
ترد الروح ... تزيل كدرا
وتتني الضمه بي تانيه
وتجيهو التالته في أترا
وتحكي البيها من شوقا
وتغالب وتغلبا العبره
تطل البسمه من فاها
وتزغرد في الوجن نضره
وتحكي الشوق بعينيها
وأثر الشوق عليو تقرا
عندو حبيبتو منتظرا
تساءل الليل ... نجيماتو
وتعود بسؤالا للقمرا
متين برجع ... متين تلقا
وتبل أشواقا بي نظره
ولما الليل يلم ليلو
وسؤالا يجابو بي حسره
يجيها النوم يغطيها
قبل لي جيتو ما تدرا
ويسوقا معاهو لوحيدا
في دار الغربة ماشي برا
وتمشي معاو تناجيهو
وتصيب أعماقو بي سحرا
تضمو عليها ضمة شوق
ترد الروح ... تزيل كدرا
وتتني الضمه بي تانيه
وتجيهو التالته في أترا
وتحكي البيها من شوقا
وتغالب وتغلبا العبره
تطل البسمه من فاها
وتزغرد في الوجن نضره
وتحكي الشوق بعينيها
وأثر الشوق عليو تقرا
ولا البشتاق كمان زولا
طالت غيبتو بعد العيد
وأمو هناكا راجياهو
ويفوت الحول وهو بعيد
تدعو المولى كان تلقا
ويجيب شكواها ... ليهو يعيد
ليلا دوام تناجيهو
نهارا رتيب بدون تجديد
وأختو تصبر الوالده
وتمشي براها تبكي بعيد
وتمسح دمعه ملتاعه
من الخدين تبل الجيد
وتقول لي أمو متضاحكه
تلقيهو هاني حسه ... سعيد
واكيد يا يمه مشتاق ليك
وداير يجيكي ... بالتأكيد
وداير القعده في جوارك
وعن ما شافو إحكي واعيد
وتسمعي حانية كلماتو
وإشوف في عينيكي معنى الريد
تزيد الفرحه والبهجه
وتخلي البيت كأنو جديد
وتمشي تناغمي للجارات
تعالو وباركو ... عندنا عيد
ويقولو أهلنا حمدالله
ربنا جابو ليكي شديد
طالت غيبتو بعد العيد
وأمو هناكا راجياهو
ويفوت الحول وهو بعيد
تدعو المولى كان تلقا
ويجيب شكواها ... ليهو يعيد
ليلا دوام تناجيهو
نهارا رتيب بدون تجديد
وأختو تصبر الوالده
وتمشي براها تبكي بعيد
وتمسح دمعه ملتاعه
من الخدين تبل الجيد
وتقول لي أمو متضاحكه
تلقيهو هاني حسه ... سعيد
واكيد يا يمه مشتاق ليك
وداير يجيكي ... بالتأكيد
وداير القعده في جوارك
وعن ما شافو إحكي واعيد
وتسمعي حانية كلماتو
وإشوف في عينيكي معنى الريد
تزيد الفرحه والبهجه
وتخلي البيت كأنو جديد
وتمشي تناغمي للجارات
تعالو وباركو ... عندنا عيد
ويقولو أهلنا حمدالله
ربنا جابو ليكي شديد
الليل والأشواق والصمت
الرياض
الخميس 20يناير1977
الرياض
الخميس 20يناير1977
كلي أشواق
زرعت آهاتي الآفاق
أتطلع ... أرنو
تزور بوجهي الأحداق
البعد يصيح
والليل يصيخ
والصمت يثير الإشفاق
زرعت آهاتي الآفاق
أتطلع ... أرنو
تزور بوجهي الأحداق
البعد يصيح
والليل يصيخ
والصمت يثير الإشفاق
البعد
سلاح مسنون
والهجر مع الغربة والبعد
يؤرجحني
يقتاد خطاي
لمصير مجنون
البعد ... وقدري الملعون
إلفان
حبيبان اجتمعا
زمام وصالهما دوما
مقرون
والليل
الليل توشح بالليل
والطيف كطعم الأفيون
يأتي ... أتمزق
يأتي
أزداد بمأتاه جنون
صيحات الصمت
صيحات الظلمة
في قلب الليل
في قلب الصمت
تؤرق ... توجع
بل تدمي
وتزيد سكون الليل
سكون
سلاح مسنون
والهجر مع الغربة والبعد
يؤرجحني
يقتاد خطاي
لمصير مجنون
البعد ... وقدري الملعون
إلفان
حبيبان اجتمعا
زمام وصالهما دوما
مقرون
والليل
الليل توشح بالليل
والطيف كطعم الأفيون
يأتي ... أتمزق
يأتي
أزداد بمأتاه جنون
صيحات الصمت
صيحات الظلمة
في قلب الليل
في قلب الصمت
تؤرق ... توجع
بل تدمي
وتزيد سكون الليل
سكون
وتمضي لحظاتي ... ثكلى
في ألم مضن ... حراق
في وجد
مزق أحشائي
كم عانت ... كم قاست
من وجدي الأعماق
ويصيخ الليل ويصتنت
هل وجد الليل
في زفرة آهاتي الحرى
ما يطقئ نار الأشواق
هل وجد الليل
في لحظة صمت حبلى
ما يبرئ وجد الأعماق
هل وجد الليل
في نبضة قلب حيرى
ما يثلج قلبي المشتاق
أفصح يا ليل ... ويا صمت
فلقد ... زرعت أشواقي الآفاق
في ألم مضن ... حراق
في وجد
مزق أحشائي
كم عانت ... كم قاست
من وجدي الأعماق
ويصيخ الليل ويصتنت
هل وجد الليل
في زفرة آهاتي الحرى
ما يطقئ نار الأشواق
هل وجد الليل
في لحظة صمت حبلى
ما يبرئ وجد الأعماق
هل وجد الليل
في نبضة قلب حيرى
ما يثلج قلبي المشتاق
أفصح يا ليل ... ويا صمت
فلقد ... زرعت أشواقي الآفاق
خبر كان
الرياض
الأربعاء 6أكتوبر1976م
الرياض
الأربعاء 6أكتوبر1976م
يوم دخلة "حسن خلف الله" وأنا بالرياض، ولم أكملها، وإيقاع الجزء الأخير غير مستوي
أما الأسماء التي وردت فهي كما يلي، وهم أقرب الإخوان الذين شاركوا في الاحتفاء بالعريس بدوني
عوض حمد صول لو
عثمان مصطفى الريس
عكاشه عوض
نجدي عتيق
حيدر أمين
أسامه أمين
الطيب عبدالرحمن
حاج كرار
عبدالله المبشر مويه
ميرغني اسماعيل ود أب صالح
أما الأسماء التي وردت فهي كما يلي، وهم أقرب الإخوان الذين شاركوا في الاحتفاء بالعريس بدوني
عوض حمد صول لو
عثمان مصطفى الريس
عكاشه عوض
نجدي عتيق
حيدر أمين
أسامه أمين
الطيب عبدالرحمن
حاج كرار
عبدالله المبشر مويه
ميرغني اسماعيل ود أب صالح
حلل العزابه يا حليلا
ولعب الوستي والكنكان
والبي إن وأفلاما
وسك الحفلات في كل مكان
والشلليه والمرقات
بقت خبر من أخبار كان
والسهرات لآخر الليل
وجية البيت مع الآذان
صايع وهايف وما يشبه
صفات لي حاله كانا زمان
أما الليله ما تقول لي
كم من عازف وكم فنان
داك بي طبله أو بي رق
وهاك جيتار قصادو كمان
ولا كمان نسيب ديلا
ونجيب الأورغ يقول ألحان
داك صول لو وأوتارو
وجمبو قريب قعد عثمان
عكاشه ده جايي متأخر
أكيد موزون شري ودخان
ونجدي الماسك الإيقاع
قال يا اخوانا أنا سكران
وحيدر فني في التسجيل
يا جماعه السلك هنا كان
ويسأل داك ويسأل ده
ويتلفت يقيف حيران
ويرمي الكاميرا لأسامه
ويمد بوزو الولد زعلان
ويجي الطيب يخت ولدو
ويشارك الفرقه بالألحان
ويتحكر يهز رجليو
كأنه بحاحي في الضبان
حاج كرار جا من حلفا
إجازه خصم وما خسران
جنو ضحك وأسبابو
دهيبة السن تزيد لمعان
ومويه المادي لي كرشو
نهز صينيه للضيفان
بعد العشا ولمن دبل
مشى اتكل علي الصيوان
ولعب الوستي والكنكان
والبي إن وأفلاما
وسك الحفلات في كل مكان
والشلليه والمرقات
بقت خبر من أخبار كان
والسهرات لآخر الليل
وجية البيت مع الآذان
صايع وهايف وما يشبه
صفات لي حاله كانا زمان
أما الليله ما تقول لي
كم من عازف وكم فنان
داك بي طبله أو بي رق
وهاك جيتار قصادو كمان
ولا كمان نسيب ديلا
ونجيب الأورغ يقول ألحان
داك صول لو وأوتارو
وجمبو قريب قعد عثمان
عكاشه ده جايي متأخر
أكيد موزون شري ودخان
ونجدي الماسك الإيقاع
قال يا اخوانا أنا سكران
وحيدر فني في التسجيل
يا جماعه السلك هنا كان
ويسأل داك ويسأل ده
ويتلفت يقيف حيران
ويرمي الكاميرا لأسامه
ويمد بوزو الولد زعلان
ويجي الطيب يخت ولدو
ويشارك الفرقه بالألحان
ويتحكر يهز رجليو
كأنه بحاحي في الضبان
حاج كرار جا من حلفا
إجازه خصم وما خسران
جنو ضحك وأسبابو
دهيبة السن تزيد لمعان
ومويه المادي لي كرشو
نهز صينيه للضيفان
بعد العشا ولمن دبل
مشى اتكل علي الصيوان
وعريسنا يهز ويتخايل
ومره يفوت علي النسوان
ويقدل قدلة المبسوط
ويتب رجليه ما طربان
أكان البدله عارفين سوقا
فجه قريبه في ام درمان
أكان الجزمه هه سيبك
موضه قديمه ليها زمان
ولا الساعه ام كتينه صفر
ومينا رصاص بدون لمعان
لكن لا لا ما لي ديل
ولا بي ديل حسن فرحان
عاين جمبو شوف في منو
مش أحلى من رأت عينان
عروسنا قمر كمان أحلى
من قمر السما الغيران
من النسيم يلاعب
في ليل الخصل وسنان
ويكشف عن وشيها التوب
ويجري بعيد زي الخجلان
مش أحلى من الصيد
ساعة يرد البحر عطشان
أو أحلى من الطير
المغربيه فوق البان
شاديانا أحلى من الحلا
أو من خيال إنسان
ونحن بعاد وما حاضرين
نسوي شنو قدرنا وخان
بعد ما واحده بقن اتنين
غربه وحرقه آه يا زمان
هو نحن لواحده ما قادرين
يجونا سوا وفجأه كمان
تفوتنا الميته والسهرات
وطبق الحنه للعرسان
ومره يفوت علي النسوان
ويقدل قدلة المبسوط
ويتب رجليه ما طربان
أكان البدله عارفين سوقا
فجه قريبه في ام درمان
أكان الجزمه هه سيبك
موضه قديمه ليها زمان
ولا الساعه ام كتينه صفر
ومينا رصاص بدون لمعان
لكن لا لا ما لي ديل
ولا بي ديل حسن فرحان
عاين جمبو شوف في منو
مش أحلى من رأت عينان
عروسنا قمر كمان أحلى
من قمر السما الغيران
من النسيم يلاعب
في ليل الخصل وسنان
ويكشف عن وشيها التوب
ويجري بعيد زي الخجلان
مش أحلى من الصيد
ساعة يرد البحر عطشان
أو أحلى من الطير
المغربيه فوق البان
شاديانا أحلى من الحلا
أو من خيال إنسان
ونحن بعاد وما حاضرين
نسوي شنو قدرنا وخان
بعد ما واحده بقن اتنين
غربه وحرقه آه يا زمان
هو نحن لواحده ما قادرين
يجونا سوا وفجأه كمان
تفوتنا الميته والسهرات
وطبق الحنه للعرسان
وأمن الحفله بس كان كيف
عملتو شنو حايط بارليف
ورص القعده والتنظيم
شغل عثمان قديم وحريف
ومنع الكاوي من الهز
فيلم كابوي يطاردو شريف
وحيدر جاي قابض الجو
سلامو إشاره رافض اقيف
وميرغني جاي بسجايرو
يبخبخ وأصلو ما زول كيف
لابس الجزمه تلمع بق
وقاشر عينة كلو نضيف
لبس خمسه حتى نسا
وناسي الجو وإنو خريف
وإمكن حسه تتقلب
تهب كتاحه ليها زفيف
عملتو شنو حايط بارليف
ورص القعده والتنظيم
شغل عثمان قديم وحريف
ومنع الكاوي من الهز
فيلم كابوي يطاردو شريف
وحيدر جاي قابض الجو
سلامو إشاره رافض اقيف
وميرغني جاي بسجايرو
يبخبخ وأصلو ما زول كيف
لابس الجزمه تلمع بق
وقاشر عينة كلو نضيف
لبس خمسه حتى نسا
وناسي الجو وإنو خريف
وإمكن حسه تتقلب
تهب كتاحه ليها زفيف
وتمسح عن وشيك الطين
بفوطة دوكه ما منديل
وديك باروكه
أو طاقيه أو منديل
وعمة داك تب طارت
وطرحة ديك بقت كوكتيل
بفوطة دوكه ما منديل
وديك باروكه
أو طاقيه أو منديل
وعمة داك تب طارت
وطرحة ديك بقت كوكتيل
عيناك
بري المحس
الإثنين 3سبتمبر1973م
بري المحس
الإثنين 3سبتمبر1973م
عيناك واحتان من سحر
من نور الإله قد شربا
بيض كأنما الصبح
تأود في أعطافهم طربا
سود كأنما الليل
في داخل الأحداق قد صلب
والنور أنهى من ترحله
بعد أن جاب كل الكون وإغترب
وما رأى في الكون ملتجأ
فإنساب في عينيك وإنسكب
وفاته أن الليل أدجاه
قد إندس في عينيك وإحتجب
وتمازج الضدان في أمن
وغرهما من النصر ما إكتسبا
سمى حلفا للدعج والحور
ينبوع سحر أروى وما نضب
دوحة فيحاء قد ظلت
كما إستظلت مرجة سحبا
بهدب شاقني الهدب
من فرط غضه لبي إستلب
من نور الإله قد شربا
بيض كأنما الصبح
تأود في أعطافهم طربا
سود كأنما الليل
في داخل الأحداق قد صلب
والنور أنهى من ترحله
بعد أن جاب كل الكون وإغترب
وما رأى في الكون ملتجأ
فإنساب في عينيك وإنسكب
وفاته أن الليل أدجاه
قد إندس في عينيك وإحتجب
وتمازج الضدان في أمن
وغرهما من النصر ما إكتسبا
سمى حلفا للدعج والحور
ينبوع سحر أروى وما نضب
دوحة فيحاء قد ظلت
كما إستظلت مرجة سحبا
بهدب شاقني الهدب
من فرط غضه لبي إستلب
قطرات المطر
بري المحس
الخميس 12يوليو1973م
بري المحس
الخميس 12يوليو1973م
سأحكي حبيبتي عن هوانا
عن حبنا الكبير إذ إحتوانا
سأحكي عني وعنك
للقمر
حين يستظل الغيم
في السحر
سأحكي للنجم
لليل
لأوراق الشجر
للطير سأحكي
للهواء عن الحب النضر
سأحكي عني
فإني
أهواك يا أغلى الدرر
أهواك كقدر النجم
كعد قطرات المطر
كرقة النسم عند المغيب
كاللحن كأنغام الوتر
أهواك فوق التصور
فوق خيال البشر
سأحكي عنك
فأنتي
غدي والآن وأمسي
أنتي
كل حياتي
أنتي غفراني وذنبي
أنتي إيماني وذاتي
بك إحيائي وبعثي
وفيك أنتي مماتي
أنتي رجسي وفجوري
أيا كعبتي وصلاتي
سأحكي عنك
فأنتي
كل ديني وتقاتي
وأحكي عنا
لأنا
نترجى الغد الآتي
عن حبنا الكبير إذ إحتوانا
سأحكي عني وعنك
للقمر
حين يستظل الغيم
في السحر
سأحكي للنجم
لليل
لأوراق الشجر
للطير سأحكي
للهواء عن الحب النضر
سأحكي عني
فإني
أهواك يا أغلى الدرر
أهواك كقدر النجم
كعد قطرات المطر
كرقة النسم عند المغيب
كاللحن كأنغام الوتر
أهواك فوق التصور
فوق خيال البشر
سأحكي عنك
فأنتي
غدي والآن وأمسي
أنتي
كل حياتي
أنتي غفراني وذنبي
أنتي إيماني وذاتي
بك إحيائي وبعثي
وفيك أنتي مماتي
أنتي رجسي وفجوري
أيا كعبتي وصلاتي
سأحكي عنك
فأنتي
كل ديني وتقاتي
وأحكي عنا
لأنا
نترجى الغد الآتي
لا أدري
بري المحس
الأربعاء 19أبريل1972م
بري المحس
الأربعاء 19أبريل1972م
وعدنا تلاقينا
لماذا قد تلاقينا
وا أسفي لا أدري
كل ما أدريه أني
يا أنت لا أدري
وبات ما يأتي
وما قد فات من عمري
كحلم طفل متعب
إنقاد فيه للخدر
متداخل الأحداث
في صخب
متقارب الأبعاد والصور
لا يحس حين يصحو
من إغفائه سوى الضجر
يود النوم ثانية
لكي يحيا مع الذكر
يتأبى النوم بل
يجفوه في مكر
يسائل نفسه ضجرا
أعيدي الحلم للفكر
تقول النفس للفكر
أنا لا أدري لا أدري
لو كان ذاك في وسعي
لأبنت الخافي من سري
متى صار يسترجع
ما يطوي العمر من أمر
كل ما أدريه أني
يا فكر لا أدري
لا ماضي لدي لا آت
نبذت الوقت من عمري
أحيا لحظتي الآن
لحاضري ذخري ومدخري
هكذا قد صرت يا أنت
حين جمعتنا يد القدر
فهاك سؤالي عساك
تجودي علي بالخبر
ماذا فعلتي في قلبي
ليأبى السكون في الصدر
ما كان هذا حاله
من قبل لقياك إن تدري
قد كان يرقص جائلا
ما بين الشمس والقمر
يروم سعادة يدرك
بها الأفلاك في السحر
أو محاورة لعصفور
مع النسمات إذ تسري
وعن قرب أليفته
تطل في وجد من الوكر
ما عاش في يوم
مع الأحزان والكدر
ولا ذاق تنهيدا
وتسهيدا إلى الفجر
حتى رأى محياك
الوضيء ضاحك الثغر
وهام بالبسمات يرسمها
فاه بهي ناضج الثمر
فإستعرت به النيران
ولم يكن قبلا بمستعر
وأحرق نفسه شوقا
كالهشيم يلقى إلى الشرر
بالله ردي إليه حياته
لأبدو به حيا مع البشر
إذ ما ينفع الجسم
إن خلا من القلب والفكر
فإني قد صرت دونهما
كأزهار بلا عطر
كأرض غاب ساقيها
والماء بقربها يجري
بالله بالله رديه
أو ما تبقى منه من نثر
حطاما كان أو صدعا
بما أحدثته من الكسر
رضيت ببعض القلب
إن ترضي
مواراتي
بالنقص في القبر
لماذا قد تلاقينا
وا أسفي لا أدري
كل ما أدريه أني
يا أنت لا أدري
وبات ما يأتي
وما قد فات من عمري
كحلم طفل متعب
إنقاد فيه للخدر
متداخل الأحداث
في صخب
متقارب الأبعاد والصور
لا يحس حين يصحو
من إغفائه سوى الضجر
يود النوم ثانية
لكي يحيا مع الذكر
يتأبى النوم بل
يجفوه في مكر
يسائل نفسه ضجرا
أعيدي الحلم للفكر
تقول النفس للفكر
أنا لا أدري لا أدري
لو كان ذاك في وسعي
لأبنت الخافي من سري
متى صار يسترجع
ما يطوي العمر من أمر
كل ما أدريه أني
يا فكر لا أدري
لا ماضي لدي لا آت
نبذت الوقت من عمري
أحيا لحظتي الآن
لحاضري ذخري ومدخري
هكذا قد صرت يا أنت
حين جمعتنا يد القدر
فهاك سؤالي عساك
تجودي علي بالخبر
ماذا فعلتي في قلبي
ليأبى السكون في الصدر
ما كان هذا حاله
من قبل لقياك إن تدري
قد كان يرقص جائلا
ما بين الشمس والقمر
يروم سعادة يدرك
بها الأفلاك في السحر
أو محاورة لعصفور
مع النسمات إذ تسري
وعن قرب أليفته
تطل في وجد من الوكر
ما عاش في يوم
مع الأحزان والكدر
ولا ذاق تنهيدا
وتسهيدا إلى الفجر
حتى رأى محياك
الوضيء ضاحك الثغر
وهام بالبسمات يرسمها
فاه بهي ناضج الثمر
فإستعرت به النيران
ولم يكن قبلا بمستعر
وأحرق نفسه شوقا
كالهشيم يلقى إلى الشرر
بالله ردي إليه حياته
لأبدو به حيا مع البشر
إذ ما ينفع الجسم
إن خلا من القلب والفكر
فإني قد صرت دونهما
كأزهار بلا عطر
كأرض غاب ساقيها
والماء بقربها يجري
بالله بالله رديه
أو ما تبقى منه من نثر
حطاما كان أو صدعا
بما أحدثته من الكسر
رضيت ببعض القلب
إن ترضي
مواراتي
بالنقص في القبر