الموسيقى السودانية هل تقودنا محاولات العولمة للتدمير؟ حول محاولات التحديث والعولمة للموسيقى السودانية
هاشم خوجلي
الجزء الثاني السلم السوداني، خماسي أم سباعي
تحدثت إليكم قبلا عن المحاولات لعولمة موسيقانا ورفض كياننا وأساسنا السوداني لذلك، وتطرقنا معا إلى أن السبب الرئيسي هو أن الموسيقى السودانية مرتبطة بموروثاتنا وهويتنا، وإلى النكهة الخاصة التي تميزها، وأنها لذلك ترفض ما هو دخيل عليها وتلفظه، ولو بعد حين، وتحدثنا عن المستمع المغلوب على أمره بما يفرض عليه من حثالة.
سأواصل الحديث عن الموضوع بأسلوب مبسط يفهمه كل متلق، وذلك للحفاظ على حقوق المستمع العادي المسلوبة، لذا سأخصص الحديث عن السلم الخماسي والسلم السباعي، والفهم الخاطئ عن ما يدعي البعض بنقص السلم الخماسي واكتمال السلم السباعي، ثم سأتطرق للسلم الموسيقي الغربي والسلم الموسيقي الشرقي ومم يتكونان وما هو إختلاف السلم الشرقي عن الغربي بشكل أساسي وبسيط.
أولا وددت أن أزيل بعض الفهم الخاطئ حول ما يدعي بعض الموسيقيين جهلا بأن السلم الخماسي ينقص نغمتين عن السلم السباعي، فليس هنالك ما يحملني على الموافقة على هذا الطرح، وما يشيرون إليه هو في الحقيقة إستخدامنا لخمس نغمات من مجموع السبع المكونة للسلم الموسيقي الغربي، وهو يحتوي في داخله على سلمنا المسمى بالخماسي، ونحن نستخدم خمس نغمات تتنوع وتتباين حسب المنطقة واللحن، وحين نغطي جميع مناطق السودان نكون قد استخدمنا كل نغمات السلم الغربي، خمسا قد تختلف في كل منطقة بل في كل لحن، ومازلنا لم نخرج عن إطار سلمنا الذي تعارفنا عليه، وبذا لا يكون السلم الخماسي ناقصا، بل هو إنتقائي في استخدام النغمات. أما السلم الموسيقي في مجمله فيتكون من إثنتي عشرة نغمة، سبعة زائد خمسة، تتوزع على مدار كامل وتتفاوت درجاتها حسب بعدها ومسافاتها عن بعضها، وتفرعاته كثيرة ومتشابكة ليس الحديث عنها هنا هدفنا. ويختلف السلم الغربي عن الشرقي بأن الأخير له إضافات سميت بربع النغمة، أو ربع التون، وهي ما يعطيه الميزة الواضحة التي تجعله شرقيا أو بتسمية أدق، عربيا، وهي نفسها، أي ربع التون، ما يجعلنا ننفر منه ولا نستسيغه إلا من شذ وندر، والشاذ لا يقاس به.
أما سلمنا السوداني فهو متنوع متباين تحكمة مناطق السودان الجغرافية الممتدة وإرثها المرتبط بها، ولكنه يلتقي في استخدامه الأساسي واعتماده الكلي على النغمات الخمس التي تجيز تسميته سلما خماسيا، وهو رغم كل هذا يستند في مطلقه على استنباط نغماته من السلم الموسيقي الغربي ذي السبع نغمات، أو الإثني عشر نغمة، بإضافة أنصاف النغمات الموجودة فيه ضمنا، ونحن نتداول من هذه النغمات خمسا قد نزيد عليها واحدة أحيانا، وقد نكملها سبعا أحيانا أخرى، حسب المنطقة الجغرافية المعنية، والجميل في الأمر أن ذلك يتم بسلاسة، ودون أن ننغمس مطلقا في السلم السباعي، ودون أن يشعر المستمع أن اللحن يحتوي على النغمات السبع كلها.
نعلم جميعا أن أغانينا وموسيقانا السودانية تتنوع تبعا لمناطق السودان الجغرافية الممتدة، ذات الثقافات والعادات المتباينة، ورغم استنادها في مطلقها على السلم الموسيقي الخماسي، إلا أننا نتميز على الغربيين عموما، ونشترك في ذلك مع شعوب شرق آسيا بالذات، بأننا نتناول من السلم ذي السبع نغمات أصلا، خمس نغمات فقط، ننوعها ونحورها حسب الحاجة، وقد نزيد عليها حينا بعد حين واحدة أو إثنتين من النغمات السبع الأصلية أو الخمس الإضافية (الأنصاف)، أما النوعان من الإضافة وعدمها فيسميان لدى أهل علم الموسيقى بإضافة نصف النغمة . anhemitonic ودون إضافة نصف النغمة آنهيميتونيكهيميتونيك hemitonic
تحدد المنطقة الجغرافية التي ينتمي لها اللحن، نوعية النغمات المستخدمة بشكل قاطع، إذ في شمال السودان تلتزم الألحان بالنغمات الخمس بصورة صارمة جدا ولا تحيد عنها إلا نادرا، أما في جنوبه، ويا لوعتي على جنوبه، فيضيفون نغمة سادسة بصورة مكثفة تعطي طابعا مميزا لألحان مناطق جنوب السودان، في حين يستخدم السلم الموسيقي الغربي على إطلاقه وبكل نغماته، في غرب السودان، بالضبط مثل ما يستخدم في دول شمال المدار، ولن يجد أي باحث في الموسيقي أي فرق، من ناحية شكلية أو أسس موسيقية أو تركيبات لحنية، بين موسيقى "لودفيج فان بتهوفن"، مع كل صيته واشتهاره، وموسيقى "إبراهيم موسى أبا" الذي لا يعرفه من السودانيين إلا القليل، كمثال، إذ كلاهما يستخدم نفس النغمات ويتنقل بين نفس الدرجات ويطوع لخدمته نفس الإثني عشر نغمة الموزعة على المدرج الموسيقي، ورغم ذلك تظل نكهة اللحن السوداني الأصيل تعبق موسيقى "إبراهيم موسى أبا" وتفوح شذى، وتبرز سودانيته الصميمة. ويتشارك معنا في استخدامنا المميز للخمس نغمات، جميع دول شرق آسيا مثل الصين والهند والباكستان، وأغلب أجزاء أستراليا وكل أمريكا اللاتينية، مما يجعل استخدام النغمات الخمس هو الطاغي الأعم على مدار العالم، وقد تركنا السلم الغربي لبعض العالم الأوروبي والشمال الأمريكي وكندا، أما النذر اليسير المتمثل في الدول العربية فقط فهو للسلم الشرقي أو العربي، ويطغى على الغالب الأعم من قارة إفريقيا إستخدامهم للسلم ذي الخمس نغمات الذي يستخدمه السودانيون، وهذا يبرر الإنتشار الواسع للأغاني والموسيقى السودانية خلال كل ما هو شرقنا وغربنا وجنوبنا، جغرافيا، وهو عموم إفريقيا عدا المنتمين للعرب في الشمال.